الأربعاء - 29 يناير 2025
الأربعاء - 29 يناير 2025

الله يرضى عليك يا ابني .. رحل صوت الجبل

«على رمش عيونها» انهمرت دمعة على عملاق الغناء العربي صوت الجبل، النبع الصافي، قديس الطرب، وديع فرنسيس الشهير بوديع الصافي. توفي الفنان اللبناني الكبير أمس عن عمر يناهز 92 عاماً. وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن الصافي توفي في مستشفى «بيلفو» بالمنصورية في محافظة جبل لبنان. وكان للصافي دور رائد في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه، ونشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد، ليصبح مدرسة في الغناء والتلحين. رحل من ألهب الجماهير برائعته «عندك بحرية»، وأدمى القلوب بأغنية «يا عيني ع الصبر»، وترنم بحب وطنه «لبنان يا قطعة سما»، وناجى كل حبيبة «الليل يا ليلى»، وبشر اللبنانيين «جايين يا أرز لبنان». عاش وديع الصافي طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان، ونزحت عائلته إلى بيروت في عام 1930. واضطر للتوقّف عن الدراسة، لأن شغفه بالموسيقى طغى على حياته من جهة، ولكي يساعد والده من جهة أخرى. وبدأت انطلاقته الفنية سنة 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحناً وغناء وعزفاً، من بين أربعين متبارياً، في مسابقة للإذاعة اللبنانية. وترنم يومها بأغنية «يا مرسل النغم الحنون» للشاعر نعمة الله حبيقة. واختارت اللجنة له اسماً فنياً «وديع الصافي» تجسيداً لصفاء ونقاء صوته. وتتلّمذ وديع على يد ميشال خياط وسليم الحلو اللذين كان لهما الأثر الكبير في تكوين شخصيّته الفنية. بدأت مسيرته الفنية مع «طل الصباح وتكتك العصفور» سنة 1940. والتقى مع الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب في سنة 1944. وسافر مع فرقة فنية إلى البرازيل في عام 1947 حيث أمضى ثلاث سنوات في الخارج. بعد عودته من البرازيل، أطلق أغنية «عاللّوما»، فذاع صيته وصارت تتردَّد على كل لسان، وأصبحت بمثابة التحية التي يلقيها اللبنانيون على بعضهم بعضاً. وكان أول مطرب عربي يغني الكلمة البسيطة باللهجة اللبنانية بعدما طعّمها بموال «عتابا» الذي أظهر قدراته الفنية. قال عنه محمد عبدالوهاب «من غير المعقول أن يملك أحد صوتاً كهذا». لقب بصاحب الحنجرة الذهبية، وقيل عنه في مصر إنّه مبتكر «المدرسة الصافية» في الأغنية الشرقية. في أواخر الخمسينات تعاون مع العديد من الموسيقيين من أجل نهضة الأغنية اللبنانية انطلاقًا من أصولها الفولكلورية. ولم يتغيب أبداً عن مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي، وفيلمون وهبي، والأخوين رحباني وزكي ناصيف، ووليد غلمية. مع بداية الحرب اللبنانية، غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثمّ إلى بريطانيا، ليستقرّ سنة 1978 في باريس. وكان سفره اعتراضًا على الحرب الدائرة في لبنان، ولكنه ظل مدافعاً بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة. وبدأ الصافي منذ الثمانينات في تأليف الألحان الروحية، نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه واقتناعًا منه بأن كلّ أعمال الإنسان لا يتوّجها سوى علاقته بالله. خضع لعملية القلب المفتوح في عام 1990، ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني. لم يغب يوماً عن برامج المسابقات التلفزيونية الغنائية قلباً وقالباً فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني أشهر أغانيه.