الاحد - 08 سبتمبر 2024
الاحد - 08 سبتمبر 2024

طلابنا بين الواقع المؤلم والخيال المزيف

‏‏لست هنا لأكتب دفاعاً عن مؤسسات إدارة التعليم في الدولة، سواءً وزارات أو مجالس تعليمية، ولكنني هنا لأقول كلمة حق لأولياء الأمور الذين يضعون استثماراتهم في أبنائهم من دون أن يشعروا بأن استثماراتهم يشوبها الخلل والقصور في المتابعة والملاحظة، ولعل النتائج التي ظهرت وشكلت صدمة للكثيرين تُلخِص هذا التراخي والقصور في الاستثمار والاتكال على جملة (الأمور طيبة محد يرسب)، وحيث إن الجميع يعلم بأن الفصل الدراسي الأول يشكل نسبة 10 في المئة من المجموع العام للتحصيل النهائي للطالب آخر العام الدراسي، فهذا ناقوس الحذر يطرق أبواب الجميع نحو الالتفات للمستوى الحقيقي لأبنائهم الطلبة، لتدارك واقعهم الذي لا بد من إعادة النظر فيه، بدءاً من أولياء الأمور مروراً بالمدرسة وانتهاءً بالمجالس التعليمية ووزارات التعليم. ‏«ليش ما تذاكر» ‏وأذكر أن أحد الأصدقاء حدثني مرةً عن ابنه الذي يدفع على دراسته في إحدى المدارس الخاصة مبلغاً وقدره، تفاجأ آخر العام الدراسي بأن ابنه قد رسب وعليه إعادة السنة الدراسية، على الرغم من أنه في مرحلة مبكرة من الدراسة التأسيسية (الصف الخامس الابتدائي)، يقول راجعت هذه المدرسة الخاصة، واستفسرت عن سبب رسوب ابني الذي يبلغونني دائماً بأنه جيد، ولا شيء يثير القلق، ولم يجد إجابة شافية. ‏يقول سلمت أمري لله، ودفعت رسوم سنة كاملة، ليعيد ابني الصف الخامس في هذه المدرسة، وللأسف فوجئت آخر السنة بأن ابني قد رسب مرة أخرى، والمضحك المبكي أن درجاته في سنة الإعادة أسوأ من السنة التي قبلها. ‏يقول ذهبت محتجاً إلى أحد المجالس التعليمية التي يقع ابنه ضمن دائرة اختصاصها، طالباً نقل ابني، وشاكياً على ظلم المدرسة، يقول فوجئت بأن الموظف يبلغني: ‏لماذا سمحت لابنك بإعادة السنة، ألا تعلم بأنه لا يوجد رسوب؟ وأن هناك تعليمات بعدم إسقاط أي طالب أو رسوبه حتى الصف التاسع .. وفعلاً نقل ابنه من المدرسة الخاصة إلى الصف السادس على الرغم من أنه راسب، ويجب عليه إعادة السنة. ‏‏وللأسف أغلبنا لا بد أنه قد سأل ابنه مراراً وتكراراً (ليش ما تذاكر) وكانت الإجابة كالتالي: ‏- كيف أذاكر وهم ما عطونا شي. ‏- كل يوم يغيرون المنهج. ‏- ذاكرت الملزمة، الأستاذ قال انسوا الكتاب. ‏- أصلاً قالوا لنا ماشي رسوب .. فـليش أذاكر؟ ‏‏من يريد الخير والحقيقة عزيزي ولي أمر الطالب، أنه عليك تحمل مسؤولياتك وألا تلقي باللوم على المجلس التعليمي وتنأى بنفسك عن المسؤولية، فأمامك جيل معظمه لا يفقه شيئاً ويفاجئُك بشهادة (كلها A)، وتقع أنت في حيرة من أمرك وأنت تشاهد الشهادة وعينك على حرف الـ A، وتسأل نفسك هذا كيف نجح؟ ‏وهنا لا بد أن نقف مع من يريد لنا الخير، ولا يضحك علينا وعلى أبنائنا، فتعليمهم وتحصيلهم للعلوم أمانة، وإني لأشكر حقيقة مجلس أبوظبي للتعليم على موقفه الحازم والجريء، والذي كشف المستور وأسقط الحجاب عن الأعين، وكان شجاعاً في تحمل المسؤولية من خلال التشديد على ضرورة إبراز المستوى الحقيقي لأبنائنا، والذي من خلاله اتضحت لنا جميعاً ما المستويات الحقيقية لأبنائنا، على الرغم من أن النسب التي يتحدث عنها البعض ونشرت، مبالغٌ فيها وغير صحيحة، ولكن على كل حال يقول المثل (رحم ﷲ من بكاني وما ضحك الناس علي)، فإن كان الغضب ينتابنا من هذه النتائج، خصوصاً ممن تعود من ابنه التميز في تحصيله الدراسي، فهنا نقطة نظام يقف عندها الجميع، ويراجع كلٌّ منا حساباته، ويتحمل كلٌ منا مسؤوليته تجاه الطالب، فنحن لا نريد طلاباً متفوقين على الورق، بل نريد طلاباً متميزين عقلاً وعلماً، فليجلس ولي الأمر مع ابنه، ويتمحص تحصيله الدراسي، ويسهم مع المجلس التعليمي والمدرسة في النهوض بعقل ابنه، ويبذل قصارى جهده في سبيل ذلك. ‏خطوة جريئة ‏ولقد استمعت كغيري إلى تصريح الدكتور علي النعيمي المدير العام لمجلس أبوظبي للتعليم في قناة أبوظبي - علوم الدار عن شكوى البعض من ارتفاع نسبة الرسوب، وقد كانت إجابته شفافة وواضحة لدرجة لا يتقبلها من يحب الوهم والعيش في رغد الكواليس، فالنتائج حقيقية وصحيحة هكذا قال، ونحن لا يمكن أن نسهل الامتحانات ونتهاون في عملية تصحيح الاختبارات، ونغش أنفسنا ونغش الطالب .. وقبل ذلك كله هذا الوطن الذي ينتظر جيلاً واعداً بالعلم والمعرفة، ولا ينتظر جيلاً ينتقل من مرحلة الثانوية العامة إلى الجامعة وهو لا يفقه شيئاً، ويكون أمام طريقين إما ممارسة الغش، واختراع الأساليب الملتوية للنجاح في الجامعة أو مغادرة أبواب الجامعة إما لتدني مستواه أو طرده بسبب الغش، ولا نريد طالباً يشكل عبئاً على العملية التعليمية في مرحلة التعليم العالي، فالمسألة مرتبطة ببعضها البعض، ويشترك فيها الجميع بالتتابع وليست مسؤولية متجزئة، كل مؤسسة تتحمل قدراً محدداً من المسؤولية، ثم تسلم الأخرى تلك المسؤولية، وتنأى بنفسها عن المخرجات السيئة. ‏ولنكن واقعيين في النظر إلى هذه الخطوة الجريئة والصادقة من مجلس أبوظبي للتعليم في الكشف عن المستوى الحقيقي لأبنائنا الطلبة، وبدلاً من الامتعاض والتذمر علينا أن ندرك أننا أمام وضع لا ينفع العباد ولا ينفع البلاد، فلنتحمل مسؤولياتنا، خصوصاً أننا ما زلنا في الفصل الأول من العام الدراسي، وقد يقول قائل هذه نتائج المنظومة التعليمية المتخبطة في كثير من الأحيان وقد أتفق معه كما يتفق الكثير، ولكن البكاء على اللبن المسكوب ليس حلاً، وليس من الصحيح أن نشاهد القطاع المسؤول عن التعليم يمد يده لنا ليضع العلاج على الجرح ونحن نصرخ معترضين، كلٌّ منا يلقي اللوم على الآخر. ‏ضعيف ومتميز ‏صفحة جديدة تضمنتها رسالة المجلس بكل وضوح من خلال ما أكده الدكتور علي النعيمي بأنهم كمجلس مسؤول عن العملية التعليمية، وسيتحملون مسؤولياتهم تجاه الطالب الضعيف قبل المتميز من خلال برامج نوعية مدروسة ومنتقاة بعناية. ‏والحقيقة أنه لو استمر مجلس أبوظبي للتعليم في سياسة (لا أحد يرسب) و(سهلوا الامتحانات) أياً كانت أسباب ذلك، فهذه مصيبة تعود بالضرر على أسرة هذا الطالب ومجتمعه ودولته، فلك أن تتخيل معي أن طالباً يحصل على نسبة عالية في الثانوية العامة بسبب تهاون مدرسته في الامتحانات وسهولة الحصول على درجات النشاط، تؤهله لأن يأخذ مقعد طالب أفضل منه علمياً في مدرسة حريصة أكثر على الطالب من حيث الامتحانات ودرجات النشاط، فيحصل الأول على منحة دراسية أو وظيفةٍ ما، كان الطالب الثاني أحق بها، ولك أن تتخيل تبعات هذا الأمر وإن كنا نشاهد معظم نتائجه مع حجم الطلبة الذين يعجزون عن استكمال دراستهم في التعليم العالي بسبب ضعف التحصيل الدراسي والمخزون العلمي الذي لا يسعفهم في دراستهم الجامعية، أو حتى على قدرتهم في أداء وظائفهم في العمل، والصدمة حين تسأله ما نسبتك في الثانوية العامة؟ يجيبك بأنها تتجاوز الـ 80 في المئة. ‏نهاية المجاملات ‏نحن لا نرسب أحد ولكن لن ينجح أحد، إلا باجتهاده وببذل أقصى جهد في سبيل النجاح والتفوق، وذلك كله وفق منظومة متكاملة (مجلس تعليم - مدارس - أولياء أمور - طلبة). ‏هكذا أنهى حديثه الدكتور علي النعيمي، وكأنني أقرأ رسالته وهي تقول انتهى زمن المجاملات وتحصيل الدرجات غير المطابق لواقع الطالب، وبدأ زمن التكاتف نحو جيل يتوافق مع مخرجات التعليم المطلوبة والمتوافقة مع تطلعات الدولة لمواجهة التحديات. ‏انتهى زمن يتعادل فيه الطالب المتفوق المجتهد والذي يسخر والداه جل وقتهما لأجل تفوقه، مع طالب لا يملك شيئاً، وأولي أمره في غفلةٍ عنه وعن مستواه العلمي وسلوكه المدرسي، فلنقف وقفة صادقة مع أنفسنا ولندرك بأن تعليم أبنائنا أمانة في أعناقنا ولن تنهض دولتنا بالمجاملة. ‏فالتعليم هو استثمارنا الحقيقي، ويجب أن نضع أيدينا على الجرح، وندرك أن الواقع المؤلم أفضل من الخيال المزيف.