السبت - 21 ديسمبر 2024
السبت - 21 ديسمبر 2024

الإسلام السياسي .. هدم النظام العام

العالم مبني على آلية دقيقة وشديدة الحساسية، لو تحرك بعيداً عن نظامه المحدد قيد أنملة لاهتز وأصاب الكون خلل بالغ قد يكون سبباً لفناء البشرية بأسرها، بالمثل حياتنا الاجتماعية تحكمها أنظمة وروابط ومفاهيم هي تراكم لخبرات إنسانية مديدة وأيضاً نتاج لقيم أخلاقية متوارثة منذ عقود طويلة.. يعتقد البعض في هذه الآلية قيود بل يذهب البعض لأبعد من هذا ويصفها بمصادرة للحرية، وغني عن القول بأن مثل هذه المقولات غير دقيقة وغير صحيحة، وإذا تتبعنا تجارب أمم سابقة كانت متميزة بالعلم والحضارة أو مجتمعات عرف عنها التلاحم والقوة سنجد ملاحظة جديرة بالتوقف والتمعن تتعلق بالنظام الذي كان سائداً ومنتشراً في أرجائها حيث ستجد قيم هذا النظام – العدل النظام العام - على مختلف أنواعه منتشراً ويتم تطبيقه بين الناس بسواسية ودون تمييز. ما يحدث في عالمنا اليوم خصوصاً بعد موجة ما عرف على تسميته بالربيع العربي، هو الفوضى، وسواء تم وصفها بالفوضى الناعمة أو الفوضى الخلاقة ذلك أن أرقام الضحايا وما نشاهده من حروب في بعض البلدان مستمرة حتى اليوم تعطي دلالة واضحة بأنه كان ربيعاً من الدم والشوك والعلقم والألم. ولكن الدرس البالغ الأهمية أن كل من نشد التغيير بالفوضى ارتد عليه وكان هو أول من اكتوى بناره، والذي أخلص له بأنه لا يمكن بناء صرح حضاري وأمة ومجتمع بإشعال النار في جنابته، ومع الأسف هذا حدث وبصور متعددة. على سبيل المثال بلد عربي عرف عنه التنوع بمعنى توجد في نسيجه المجتمعي عدة أقليات سواء عرقية أو دينية، كيف يمكن إلزام جميع هؤلاء بحكم طائفي؟ وهذا الخطأ تكرر مع الأسف في عدة أمثلة على امتداد وطننا العربي.. الذي يحدث دوماً أن هناك وثبة من تنظيمات تدعي الإسلام شديدة التنظيم والترتيب والتنسيق بين أتباعها، يفترض النظر لها كأحزاب سياسية لا أكثر تسعى مع الأحزاب الأخرى للفوز وفق صناديق الانتخاب، لكن الذي حدث ويحدث مراراً، هو تكفير ورفض للعملية الانتخابية نفسها ورفض لقرار الصندوق الانتخابي، والمطلوب من الجميع تسليمهم مقاليد البلاد. جانب آخر يتضح في بلد مثل مصر، يعتبر رافداً عربياً له تاريخه العظيم الضارب العمق في الزمن، وصل لسدة الحكم حزب يدعي الإسلام، قرر إدارة البلاد بعقلية حزبية ضيقة بل فئوية دنيئة، بدلاً من تجميع الفئات المختلفة في المجتمع ونشر قيم التسامح والمشاركة السياسية دون حساسيات دينية أو طائفية، لكنهم عملوا على عزل المختلف معهم وإبعاد الآخر والاستفراد بمقومات الوطن فلم تنتهِ السنة الأولى إلا ونفس الجموع المليونية تعود إلى الشارع تريد التغيير. أعود للتأكيد على نقطة حيوية ومهمة، أعطي الناس خبزاً وأمناً وانشر قيم التعليم وامنحهم فرصة للسلام، وسترتقي وتسابق في المضمار الحضاري العالمي، لكن تأكد أن هذا جميعه، لن تحصل عليه وتحققه إذا نظرت لمكونات المجتمع بفوقية ومزاجية وأيضاً بانتقائية وتمييز بين الناس، ومع الأسف هذا الجانب فشل فيه كل تنظيم إسلامي أو ما يسمى اليوم بالإسلام السياسي، البعض أرجع السبب إلى الأسس الحركية التي تقوم عليها مثل هذه التنظيمات مثل تنظيم الإخوان، الذين كان هدفهم العملي السيطرة على مقاليد الحكم ونشر أفكارهم ووجهات نظرهم حتى على حساب التنوع والاختلاف في المجتمع دون مراعاة لمفاصل وتوزيعات هذا المجتمع ويبقى هذا الموضوع واحداً من أهم حقول البحث والدراسة، لكن الشيء المؤكد أن لا مستقبل لأي حركة في أي مجتمع إنساني تقرر هدم النظام العام وتهديد أثمن ما يملكه الناس وهو مصادرة حرية اختيارهم وسلامهم الشخصي.