2014-01-31
ثمة أقلام شقت طريقها عبر ممرات ضيقة في الوجدان، وأكف انبرت أناملها للدفاع عن قضايا الإنسان والأمة العربية تغيب اليوم ملوِّحة من شرفة الموت: لا عودة أيها الأصدقاء .. أما نحن الزملاء والأصدقاء في مناجم المهنة الشاقة، فما زلنا منتشرين مثل الأزهار الحبرية في الساحة الإعلامية الممتدة حتى أسلاك الموت الشائكة .. أسلاك وضعت لتفصلنا عن هذه الحياة الحبلى بأحلامنا.
اليوم .. يغيِّب الموت الدكتور عبدالله عمران تريم رئيس مجلس إدارة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، الذي كان سفيراً فوق العادة للإعلام العربي الملتزم والرصين .. يقدم أوراق اعتماده لحرية الإعلام، وينسج باسمها مواقف أهله، وينثر رياحين مفرداته ومواقفه الملتزمة بالإنسان قبل المكان على الرقعة الجغرافية لوطن صاحبة الجلالة المتناثر من المحيط إلى الخليج.
ترجَّل عبدالله عمران الذي أسس مع شقيقه تريم عمران تريم، جريدة «الخليج»، في العام 1970، عن جواده الإعلامي وقلبه مسكون بهموم الأمة العربية، فكم صدح باسم إنسانها وفكرها وصحرائها وجبالها وسهولها وسمائها وبساتين ليمونها.
أيها القلب الذي كان ينبض بقضايا الأمة .. أتعبتك المواقف العابرة بين الكلمات حتى غيبك الموت في قلب السماء، وها نحن الآن ندخل في صلاة صمت طويلة، من أجل أن يكف هذا العذاب الذي أرهقك .. حقاً لا يستطيع الإنسان أن يجري خارج ممرات العمر الضيقة التي تفصلنا عن الموت لحظات.
جسد عبدالله عمران إعلاماً يحمل رسالة وموقفاً وطنياً وعروبياً وإنسانياً، وقد رفده وشقيقه تريم عمران بمطبوعات تمثلت في مجلة «الشروق» التي سبقت صدور جريدة «الخليج» بأشهر عدة، ومجلة «كل الأسرة»، ومجلة «الاقتصادي» الشهرية، وجريدة «غلف توداي» اليومية باللغة الإنجليزية ومجلة «الأطفال الأذكياء».
كان عبدالله عمران في هذا الفضاء الفسيح طائراً بلون الشروق يعرف تضاريس إعلام الخليج وخباياه، ويعضد مسيرة الأطفال الأذكياء ويعتمد قيم كل الأسرة والمبادئ الإنسانية النبيلة مصدراً للنشر.
ناصر عبدالله والتزم المشروع القومي مع ظهور دعوات القومية العربية بمدارسها المختلفة، مستشعراً خطر المتربصين بالأمة العربية بعد نكبة العام 1967 .. كان يتلمس أدوات الخطر ووسائله ويدعو من منبره الإعلامي إلى الوحدة من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة ومناصرة الإنسان المظلوم أينما وجد على وجه هذه البسيطة .. واستمر في كفاحه الإعلامي ضد حالة الاستنقاع السياسي والاقتصادي والثقافي العربي وضد اهتزاز مفاهيم الكيان القومي العربي، وضد استباحة المقدرات والسيادات الوطنية، ولم يتنازل عن مواقفه حتى انتصر له الموت.
وداعاً لإطلالتك عبدالله عمران .. ستبقى روحك الإعلامية مضيئة في سماء أمانينا وصوتك صادحاً في فناء صاحبة الجلالة .. ستتوسدك السماء لترقد بين مئات الأحبة والتواقين إلى حلم ربما لم يتحقق في الحياة.