2013-10-21
(1)
سألني صديقي يوماً عن معدلي في الجامعة؟ فقلت له إنني مع الأغلبية المؤمنة من عامة الشعب التي ليست في أقصى اليمين ولا في أقصى اليسار، فقال لي إن فلاناً يعمل طبيب امتياز لأنه تخرج بامتياز، فلماذا لم أتخرج أنا بامتياز؟
(2)
كثيراً ما يسألك أحد أقرباء المرضى عن وضعك الوظيفي، فإذا نطقت الكلمة الملعونة وقلت إنك طبيب امتياز، فسترى الوجوه من حولك تتغير، والأنفاس باتجاهك تتطاير، ليرش عليك أحدهم الماء البارد ويطلق عبارته الشهيرة «لا نريد أن يفحصنا متدربشية».
(3)
طبيب الامتياز لا ذاك ولا ذاك، ولا أعرف من هو الملعون الذي أطلق على هذا الطبيب هذه اللفظة المضللة التي صارت لعنة تلاحق حاملها أينما حل أو ذهب، فطبيب الامتياز هو إماراتي صالح أفنى سنين من حياته في كلية الطب، وبعد نجاحه في الامتحانات العملية النهائية، أدى قسم «أبوقراط الشركي» أو «القسم الإسلامي» ليكون من بعد هذا القسم قد منح لقب دكتور أو طبيب، يعني ذلك ببساطة أنه صار - بمجرد تعيينه في أي مكان في العالم - موظفاً له حقوق كثيرة وعليه واجبات أكثر.
عندما كنت في إيرلندا كانت الجامعة قد هيأت لخريجيها وظائف برواتب مجزية قبل تخرجهم، فسيكون من دواعي سرور أطبائنا الإماراتيين أن تحذو كليات الطب عندنا هذا النحو، حيث إن من واجبها أن توفر وظيفة تدريبية لطبيب الامتياز بدلاً من أن تلطمه أمواج البطالة وهو يتنقل من مستشفى إلى مستشفى ومن إمارة إلى إمارة متوسلاً وظيفة براتب أو بدون راتب، فإذا لم تستطع كلية الطب توفير فرص لائقة لخريجيها فالمنطق يقول أن تقفل أبوابها لأن سوق العمل لا يتحمل خريجيها «الإماراتيين» الزائدين عن الحاجة.
(4)
أعرف كثيراً من أطباء الامتياز عملوا سنة كاملة بدون راتب، وآخرون عملوا بمكافآت إلى أن يخلق لهم الشاغر، يتخرج أحدهم وقد مر عليه 25 خريفاً، ثم يبدأ حياته من الصفر، فيحلم بما كان أقرانه يحلمون به منذ خمس سنين، فيبدأ في التفكير بالسيارة والزوجة والسفر وتشقير الشعر وتحديد اللحية وتفصيل كندورة العيد والخ والخ ليصطدم بأن ما ذكر سابقاً لن تسده بضعة الآلاف التي سيمنحها بشق الأنفس والبضع في لغة العرب رقم يتراوح بين الثلاثة والتسعة، في حين أن من تخرج من الثانوية العامة - في نفس سنة تخرج طبيب الامتياز- سيلتحق بـ «عمل ما» يدر عليه راتباً يعادل ثلاثة أضعاف راتب طبيب الامتياز، فلم العناء والمشقة وسهر الليالي يا طلبة الطب؟
(5)
طبيب الامتياز طبيب تحت التمرين يطوف في أقسام المستشفى كلها من باطنية وجراحة وأمراض نفسية ونساء وولادة وأطفال، ليختار في السنة التي تليها التخصص الذي مال إليه قلبه، وإلى ذلك الحين فإنه يمارس دور الطبيب في القسم الذي يعمل فيه وتحت الإشراف المباشر من الطبيب الاستشاري الذي يشرف أيضاً على الأطباء المبتدئين والاختصاصيين والذين في أول درجات سلمهم الوظيفي طبيب الامتياز.
(6)
للأسف هناك من صرحوا أنهم ليسوا بحاجة إلى أطباء امتياز، بل هم بحاجة إلى أطباء متخصصين فهل صار ينظر لهذا الطبيب الإماراتي كزائدة دودية لا تضر ولا تنفع؟ فماذا عسى هذا الطبيب أن يصنع إذا كان العرف العقلي يقول إنه لا يوجد طالب جامعي إلا ومعه شهادة ثانوية، والعرف الطبي يقول إنه لا يوجد طبيب متخصص إلا ومعه شهادة سنة الامتياز؟ فمن أين يأتي الطبيب الإماراتي بالخبرة المطلوبة؟ أمن بوركينو فاسو أم من مايوكلينك؟
في السابق كان طبيب الامتياز مخيراً بين الدخول في برنامج تعليمي تخصصي كالبورد في داخل البلاد أو خارجها، وبين السرح والمرح في أي الأقسام شاء دون شهادة تخصص ترتقي به إلى درجة اختصاصي، فقامت هيئة الصحة في أبوظبي - مشكورة - بفتح أغلب التخصصات الطبية لتخرج جيلاً من الأطباء الإماراتيين القادرين على تحمل مسؤولية الصحة في دولة الإمارات في العقد المقبل من الزمن، فما حك جلدك مثل ظفرك، فكم نتمنى من الجهات الأخرى أن تحذو حذوها، ولا تلقي بطبيب الامتياز إلى «الإهمال» لأنه هو مستقبل «الصحة» في الدولة التي دأبت منذ نشأتها على استثمار كل ما هو مواطن.
[email protected]