الاثنين - 30 ديسمبر 2024
الاثنين - 30 ديسمبر 2024

سماحة الدكتور

أحزنني خبر وفاة العلامة المجدد البروفيسور روبرت إدواردز، هذا الرجل الذي تم بفضله، بعد الله، إنجاب أكثر من أربعة ملايين طفل من رحم العقم الذي يصيب عشرة في المئة من الأزواج، كم نحن ممتنون لهذا الرجل العظيم الذي اخترع خاصية التلقيح الصناعي المشهورة بـ IVF في عام 1978، وبعد أكثر من ثلاثين سنة من هذا الإنجاز العظيم تقرر لجنة جائزة نوبل منحه جائزتها في فرع الطب والتي لاقت معارضة شديدة من قبل الفاتيكان الذي وقف وقفة شرسة ضد هذا الرجل، وإضافة إلى تحريم الكاثوليكية لـ «العزل» لأنه ضد مشيئة الرب في إنجاب العيال، فهي أيضاً تحرم إنجاب العيال بطريقة التلقيح الصناعي وتعتبره خلقاً مهرطقاً. من روائع بابوات روما أن أحدهم انتصر لمبدأ العصمة البابوية في مجمع الفاتيكان الأول عام 1869، وهو البابا بيوس التاسع الذي يعد أطول البابوات حكماً للكنيسة الكاثوليكية، لكن هذا البابا لم يهنأ طويلاً بهذه العصمة التي لم تعصمه من دخول جيوش الشعب الإيطالي روما في العام 1870 بعد مقاومة رمزية من الحرس البابوي، وبقي البابا المعصوم محاصراً في منطقة الفاتيكان التي تحوي كنيسة القديس بطرس بعد أن أبقتها إيطاليا تحت سيطرته تفضلاً وتكرماً، ثم أعلن البابا نفسه سجيناً في تلك المنطقة، واعتبر تلك الحرب حرباً بين دين المسيح ودولة الشيطان مع أنها كانت صراعاً بين قوتين سياسيتين متصارعتين على النفوذ كما ذكر الدكتور جولد صاحب كتاب «صخرتا الزمن». امتد الصراع الصحي - الديني إلى «الواقي الذكري» الذي حاربته الكنيسة بكل ما أوتيت من قوة بحجة أنه ينشر الزنى والرذيلة، وتناست أنه يمنع انتشار الأمراض الجنسية المعدية مثل الإيدز والزهري وغيرها والتي ممكن أيضاً أن تنتقل بالزواج الكاثوليكي الحلال إلى الطرف الآخر. وكان بعض المتدينين يعتقدون أن «الواقي» هو بوابة الولوج إلى تحليل الإجهاض والاستنساخ والقتل الرحيم، فإذا كسر هذا الباب توالت الفتن على قدم وساق، واستحل حرام الكنيسة. ثم توج البابا السابق بينديكت السادس عشر في عام 2009 هذه المعركة بإعلانه أن «الواقي» يؤدي إلى تفاقم مرض الإيدز، وأدت هذه التصريحات إلى ذهول منظمات الصحة العالمية التي شجبت هذا القول الشنيع فقامت مجلة «لانست» الطبية بمطالبة البابا بالاعتذار والتراجع فوراً وعلناً عن هذه الكبيرة العلمية، وإلا أنه سيتحمل خطيئة أتباعه الذين ستتفشى فيهم الأمراض المعدية بسبب فتواه، ثم بعد مرور سنتين يعود البابا نفسه إلى رشده ويبيح استخدام «الواقي» لحالات الضرورة القصوى للحد من انتشار مرض الإيدز في القارة السوداء، وهو بهذا الفعل يكون قد طعن في عصمته وعصمة من سبقه من البابوات الذين حرموه تحريماً مطلقاً. اليوم تتراجع كنيسة روما إلى الوراء بعد ازدياد الانشقاقات الدينية داخلها، وينحسر نفوذها بعد طغيان الفضائح الأخلاقية الناجمة عن تشريعات مخالفة للفطرة كمنع زواج الرهبان الذي قاد إلى ملاعبة الغلمان. عندما كنت مغترباً كان لا يمر شهر أو سنة إلا ونسمع عن فضيحة جديدة في مدرسة دينية هنا وهناك، طبعاً والضحية في كل فصل هم الأطفال الذي نذروا لخدمة بيت الرب فاستغلهم سدنة بيت الرب. لعل ما يحدث في العالم من تطور مذهل في جميع المجالات الفكرية والإنسانية يكون درساً لعلمائنا الأفاضل كي لا يقعوا في الجحر نفسه الذي وقع فيه غيرهم، ويستبدلوا خطاب «البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير» بخطاب العلم والجينات والبيولوجيا الحديثة، فكون ديننا الأكثر انتشاراً في فترة من فترات لا يعني أنه سيدوم كذلك في ظل تنامي موجات الإلحاد والتحولات المذهبية والدينية. ولا يسعني ختاماً إلا أن أشكر الشيخ صالح اللحيدان على اهتمامه البالغ بمبايض النساء والتي قد تعطب بسبب قيادة المرأة للسيارة فتحرم المرأة من الإنجاب، وبعيداً عن الطب والفسيولوجيا اللذين يقفان منبهرين أمام هذا الفتح العلمي، دعونا نقول لو كان الدين بالقياس لكان ركوب «الهودج» أيام العصر الذهبي أولى بأن يؤدي إلى العقم المؤبد من عصر سيارات الدفع الرباعي، الإسلام يستحق أن يمثله من هو أهل لحمله، أما هو فقد حمل كثيراً، شوهوا جوهره بأفعالهم أكثر مما فعله المستشرقون بأقوالهم. [email protected]