2013-09-09
كتب تولستوي في العام 1897 «أعرف أن معظم الرجال الذين يحلون أكثر المشاكل تعقيداً، من الصعب أن يتقبلوا الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس، إذا كانت ستضطرهم إلى تخطئة استنتاجتهم التي علموها للآخرين، والتي خاطوها عن نسيج حياتهم» صارت هذه المقولة تترجم في علم النفس إلى ما يسمى بالتأييد الانحيازي (Confirmatory Bias)، الذي يدفع الناس إلى تفضيل تصديق المعلومة التي تؤيد اعتقاداتهم السابقة، بدلاً من تصديق مسلمة تعارض هذه الاعتقادات.
بعد أحداث 11 سبتمبر صار العالم الإنساني يجمع على أن منبع الإرهاب والقتل والدماء هو «الإسلام والمسلمون»، وأخذ البعض يستحضر أقوال مستشرقين سابقين بثوا في كتبهم المؤلفة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر معلومات مغرضة تقول: إن محمداً، عليه السلام، لم ينشر دينه إلا بحد السيف، وأنه وأصحابه غزوا العرب والفرس والروم والفرنجة والهند والصين والعالم، وسفكوا من دمائهم ما الله به عليم.
ثم انتقلت هذه الفكرة إلى قرارة نفس بعض المسلمين فتارة ترى أحدهم يروج أن آية السيف نسخت 150 آية أخرى تدعو إلى الصفح والعفو والعدل والبر مع المخالفين، مع أنه لا توجد كلمة سيف في القرآن الكريم، وصار بعض المسلمين، كالقاعدة ومن حذا حذوها، يروجون لدموية الإسلام التي اقتنعوا بها في عقولهم الظاهرة، وصار آخرون يبررون لدموية الإسلام بسبب قناعتهم بها في عقولهم الباطنة، وإن لم يعترفوا هم بذلك.
صار الإسلام والمسلمون في وضعية الدفاع الدائم، وصار المستشرقون دائماً يذكرونهم بغزو الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة، وينسون معركة الخندق التي حوصر فيها المسلمون حصار حياة أو موت، يذكرونهم بمعركة اليرموك التي غزا فيها المسلمون الروم، وينسون معركة مؤتة التي كان سببها قتل رسول رسول الله، ومحاولة غزو المدينة. يذكرونهم بالقادسية التي غزا فيها المسلمون الفرس، وينسون محاولة الفرس خطف رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، لتقديمه لكسرى في المدائن، يذكرونهم بدخول المسلمين إلى إسبانيا، وينسون ثماني حملات صليبية لغزو العالم الإسلامي تمكنت إحداها من نقل الصابون لأوروبا للمرة الأولى في تاريخها.
بعيداً عن العواطف المليئة بمتلازمة تولستوي، دعونا نستنطق الأرقام فهي أصدق أنباءً من الكتب، فلنعمل إحصائية للناس الذين قتلوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقارنها بمثيلاتها في التوراة، لأن المستشرقين يجعلون حروبنا حروب غزو وسبي ومتعة، بينما حروبهم هي بقناعتهم مقدسة وتعليمية وتنويرية، فمن بين 29 غزوة قادها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بنفسه، و38 سرية بعثها، فإن مجموع قتلى المسلمين وأعدائهم لم يتعد الـ 386 قتيلاً طوال 23 سنة من النبوة.
أما ضحايا حروب اليهود ضد غيرهم في التوراة فقد بلغت أكثر من مليون و600 ألف من غير اليهود، إضافة إلى أكثر من 350 ألفاً من اليهود قضوا إما في حروب داخلية، أو في حروب مع غيرهم.
في الحرب العالمية الثانية بلغ ضحايا الحرب 62 مليون نسمة، أي نحو اثنين في المئة من سكان العالم في ذلك الوقت، كانت هذه الحرب بين دول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا) التي كانت كلها مسيحية، في مواجهة دول المحور (إيطاليا وألمانيا واليابان) التي هي الأخرى كلها مسيحية خلا اليابان فهي
شنتوية - بوذية.
إنها أكبر مذبحة حصلت في التاريخ الإنساني، والأطراف التي شاركت فيها كلها مسيحية تقريباً، فهل للمسلمين في هذه الحرب البشعة ناقة أو جمل؟ وهل هم من أمر بحرق اليهود في الأفران؟ وهل هم من أمر بخنق الأسرى في غرف الغاز؟ وهل هم من أمر بقتل المعاقين والعجائز، لأنهم يعيقون عجلة تقدم المجتمع؟ وهل هم من أمر بقذف قنابل نووية في اليابان أودت بحياة أكثر من 200 ألف مدني بكبسة زر؟
بمناسبة مذبحة النظام السوري للسوريين، حيث تجاوز عدد القتلى، الذين لم يقتلوا بأسلحة كيميائية، المئة ألف، وكل ذلك في فترة زمنية لم تتجاوز ثلاث سنوات، فهل تعلمون يا سادة أن اليهود منذ استيطانهم حول القدس في العام 1860، وخلال حروبها العظيمة مع العرب في أعوام 48 و67 و73 لم يصلوا في عدد قتلى العرب إلى هذا الرقم المأساوي في فترة الـ 150 عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي؟
فمن هو أشد عداوة للعرب والمسلمين والعالم أجمعين؟ أهي إسرائيل اليهودية أم النظام السوري الذي يقف وراءه عمامات الطائفية في إيران ولبنان؟ لا تدعوا متلازمة تولستوي الإيرانية تخدعكم بالوحدة الإسلامية والمؤامرة الماسونية والإمبريالية العالمية، ودعوا الأرقام تتحدث فهي أصدق أنباءً من الخطب.
للتواصل مع الكاتب
[email protected]