2013-08-13
تباينت أجناس البشر وسحناتهم وإثنياتهم، وتلك مشيئة الذات الإلهية، عطفاً على الناموس الاجتماعي لجغرافيا سُكنى الإنسان وتضاريسها، ما نتج عنه اختلاف الأمزجة، العادات، التقاليد، والأعراف، بيد أنها اتفقت في الإحساس بالقلق الوجودي «الكون وأسراره، الإنسان وخفاؤه، الموت وما بعده»، من ثمّة اختلفت في التعبير عنه، لذا تعددت أساليب تفكيرها «أسطوري، ديني»، «وضعي وسماوي»، فلسفي «حواس، عقل، حدس»، وعلمي «تجريبي»، ومنذ الأزل وإلى الأبد لن تخرج الإنسانية في تفكيرها وقراراتها عن هذه الأساليب، غير أن هنالك حقيقة مفادها أن الذاكرة الإنسانية واحدة، لأنها وليدة لثنائية معقدة «الرجل والمرأة أو آدم وحواء»، لذا فإن جميع البشرية تقيم الأفكار والحقائق بطرق مختلفة، ولكنها تتفق في الإحساس بأن هنالك قاسماً مشتركاً داخل تلك الذاكرة المعرفية التراكمية يندرج تحت مظلة الشعور وغيبياته «ما ورائياته، أحد مفاتيحه النفسية مدلولان متناقضان تشعر بهما كل البشرية عبر تاريخها الطويل».
«التفاؤل» قد يكون شعاراً للعلاج من الكثير من المشاكل النفسية، الخوف، التردد، الانهزام، لنقل «فكّر بتفاؤل»، و«التشاؤم» الذي يعبّر عن حالة تقوم على اليأس، معتقدة أن كل ما في الوجود سيئ ولا سبيل إلى إصلاحه، موجود في صميم الذاكرة الجماعية، في جملة من الألفاظ والأقوال والأفعال التي يظن أنها تجلب السعد أو النحس، قد يصل بنا إلى مرحلة التشاؤم من بعض الأفراد أو الأماكن أو حتى الأدوات، إذا دققنا في فكرة القرابين الموجودة في كل الحضارات، نجد أن مكنونها حالة تشاؤمية، أساسها الخوف وجلب السعد عن طريق أداء العديد من الطقوس، سُمّي «تطيراً»، لأن العرب في الجاهلية إذا خرج أحدهم لأمر قصد عش طائر فهيجه، فإذا طار جهة اليمين تيمّن به، أي «تفاءل» ومضى، ويسمون الطائر «السانح»، أما إذا طار جهة اليسار تشاءم به، ورجع عما عزم عليه وسمّي الطائر «البارح»، وقد ذكر في القرآن الكريم كما جاء في قوله تعالى «فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عندالله ولكن أكثرهم لا يعلمون» الأعراف: آية 131. يقول المفسر محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، وُلد في قرطبة في الأندلس في القرن السابع الهجري، من كبار المفسرين له العديد من المؤلفات، منها الجامع لأحكام القرآن، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة وغيرها، «إذا جاءتهم السعة والخصب قالوا أُعطيناها باستحقاق، أما إذا جاءهم القحط والمرض يتشاءمون من موسى ومن معه، وكل ما قدروا عليه من الله، وما لحقهم من القحط والشدائد إنما من عند الله بذنوبهم، لا من عند موسى عليه السلام، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال (الطيرة شرك، الطيرة شرك)» رواه الترمذي: 1614. ومكنون النهي عن التطير رغم وقوعنا كلنا في بعض الأحيان فيه، في أنه يذهب بالتوكل على الله، ويبعدنا عن تفويض الأمور إليه، لذا قال صلى الله عليه وسلم «إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل (اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يرفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك» أخرجه أبوداود: 3919.
وفي اليهودية يتشاءم اليهود من القط الأسود على اعتبار أن رؤيته تجلب سوء الحظ، فإذا رأى أحدهم قطاً أسود فعليه أن يبصق مرة واحدة في الاتجاه المعاكس لاتجاه سير القط.
وفي بعض الدول الأوروبية وأمريكا يعتبر الرقم 13 رقماً مشؤوماً، لذلك يُتجنب هذا الرقم في أن يكون رقم المنزل أو الغرفة في الفنادق، وفي إنجلترا يتجاهلون هذا الرقم تماماً في البناية التي تحتوي على أكثر من 13 طابقاً، يرجع البعض مصدر التشاؤم من هذا الرقم إلى السريان يدل على «قومية، لغة، مسيحية، سريانية» في بداية المسيحية يستعملون القوى العددية للأرقام، وبما أن يوم الأحد يوم عطلة ولا يجوز العمل فيه، ومن يعمل فيه يصاب الحزن والشؤوم لغضب الله عليه، فالقوة العددية ليوم الأحد تتحدد بـ «أحد»، «فألف» حرف يدل على الرقم واحد، «الحاء» حرف يدل على الرقم ثمانية، الدال حرف يدل على الرقم أربعة، أي المجموع 1+ 8 + 4= 13، وينقسم اليهود بشأن الرقم 13 إلى قسمين، الأول تأثر بالحضارة الأوروبية وتراثها في فكرة التشاؤم، أما الثاني وهم المتدينون فإنهم يرون الرقم 13 رقماً عادياً. بل على العكس، فإن «البارمتسفا» وهو حفل يهودي ديني يقام عند بلوغ الفتى العام الـ 13، أي عند هذا العمر يعتبر الفتى مكلفاً بأداء جميع الفرائض حسب الشريعة اليهودية.
أما فلسفياً، فإننا نجد في الفلسفة اليونانية القديمة، الفلسفة الكلبية التشاؤمية، وهي مذهب فلسفي في القرن الرابع قبل الميلاد، نسبة إلى الفيلسوف أنتيستنيس، ويرجع البعض التسمية إلى السلوك الفظ الذي يتصف به الكلبيون ونباحهم في وجه المجتمع، وتقوم فلسفتهم على عدم الثقة في وجود الخير في الطبيعة البشرية، وقد تأثر بهم الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور 1788-1860م، فقد لخص فلسفته قبل أن ينشرها في كتابه «العالم إرادة وفكرة»، أن السعادة محكوم عليها أن تكون معكرة إن لم تدمر تماماً، والحياة شر مطلق.
للتواصل مع الكاتب
[email protected]