2013-08-06
تجمّعت منظومة القيم الأخلاقية الإسلامية في تراتبية عقدية وعملية، هدفها تزكية النفس، لتصل إلى قمّة السعادة الدنيوية «الإيمان باللـه، ملائكته، كتبه، رسله، اليوم الآخر، القدر خيره وشره»، والسعادة الأخروية، النعيم الأبدي ودخول الجنة في أعلى درجاتها. وهنا، تتجلى العدالة الإلهية في عمليتي الثواب والعقاب، وتكمن في أن قضية الإيمان توفيقية، وكل العبادات تسمو إلى طاعة اللـه تعالى في رابطة لا متناهية الدقة. والزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام، ومن أهم الصدقات التي تدل على البركة، النماء والصلاح، وهي حصة من المال ونحوه.
وحكمها، أنها واجبة على كل مسلم ومسلمة، ذكر أو أنثي، كبير أوصغير كما جاء في قوله تعالى «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها» (التوبة- «آية 103»)، يوجب الشرع إخراجها للفقراء، سُميت زكاة لأنها تطهّر وتزيد المال. فيما تتلخص شروطها في: الإسلام، الحرية، النصاب، ومرور الحول.
ومصارفها، كما جاء في قوله تعالى «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل اللـه وابن السبيل، فريضة من اللـه واللـه عليم حكيم». (التوبة - «آية 60»)، وقوله صلى اللـه عليه وسلم «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللـه، وأن محمداً رسول اللـه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً». أخرجه البخاري ومسلم.
وأنواعها، هي: زكاة الثمار، الأنعام، التجارة، المعادن، وزكاة الفطر، أضيفت الزكاة للفطر لأنه سبب وجوبها، وتتميز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص، ولا على الأموال، أي أنها فرضت لتطهير نفوس الصائمين من ذنوب ارتُكبت في شهر رمضان، وليس لتطهير الأموال، كما في زكاة المال مثلاً، وهي صاع من طعام أهل البلد يحدد بمقدار معين يخرجه الإنسان. «صاع من طعام أو صاع من شعير أو صاع من إقط أو صاع من زبيب». رواه البخاري ومسلم. أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، أي قبل صلاة العيد. كما أن هناك كفارة لمن لم يستطع الصوم بسبب الكِبر أو المرض الذي لايُرجى شفاؤه، كما جاء في قوله تعالى «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين». (البقرة- «آية 184»)، أي يطعمان عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما، يخرج الإطعام في أول شهر رمضان أو وسطه أو آخره. يقول محمد الطاهر بن عاشور 1879- 1972م ، عالم دين وفقيه ومفسر للقرآن، (تونسي) له العديد من الكتب منها: (مقاصد الشريعة الإسلامية)، (الوقف وآثاره في الإسلام) وغيرها، في كتاب تفسيره «التحرير والتنوير»، «لأن الزكاة إنفاق المال وهو عزير على النفس، فلا يبدله المرء في غير ما ينفعه إلا عن اعتقاد بنفع أخروي، لاسيما إذا كان المال ينفق على العدو في الدين، فلذلك عقب الأمر بالإيمان بالأمر بالصلاة وإيتاء الزكاة» كما جاء في قوله تعالى: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين». (البقرة- «آية 43»)، يقول ابن عاشور: «أمروا بالصلاة والزكاة، لأن الأولى عمل يدل على تعظيم الخالق والسجود إليه وخلع الآلهة، ومثل هذا الفعل لايفعله المشرك ولايفعله الكتابي، لأن لليهود صلاة لا ركوع فيها، فلكي يقولوا إننا نقيم صلاتنا دفع هذا الوهم بقوله تعالى: «اركعوا مع الراكعين»، والركوع طأطأة وانحناء الظهر لقصد التعظيم أو التبجيل. ففيها تطهير للنفس من البخل والشح، مواساة للفقراء وسد لحاجات المعوذين، ورفع روح التعاون بين أفراد المجتمع، تذيل الحسد بين الناس عن طريق محاربة الاكتناز بوسطية دقيقة، وذلك نابع من موقف الاقتصاد الإسلامي من الملكة الفردية، الذي يختلف عن كل من الاقتصادين الرأسمالي، فهو لا يتفق مع الاقتصاد الرأسمالي في اعتبار الملكية الخاصة هي القاعدة، والعامة استثناء، ولايتفق مع الاقتصاد الاشتراكي في النظر إلى الملكية العامة هي الأساس، والملكية الخاصة استثناء، فإذا صرفت الزكاة إلى مستحقيها وبحسب قنواتها الأساسية ويمكن أن تحارب قضية الاكتناز، فالاقتصاد الإسلامي منذ البداية يقر الملكية الفردية ويقر كذلك الملكية الجماعية، فقد جعل لكل منهما مجاله الخاص الذي يعمل فيه ولايعتبر ذلك استثناء أو علاجاً مؤقتاً.
قد أمر بها اليهود وقد تولى منهم عن أدائها فلم يطيعوا أو يستمعوا، غير أن بعضهم أطاع، لذا فإن القرآن لم ينتقد اليهود كلهم، إنما المخالفون منهم، كما جاء في قوله تعالى: «وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا اللـه وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، ثم توليم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون». (البقرة - «آية 83»).
أما في المسيحية، فقد ورد في الإنجيل «بل اعط ما عندكم صدقة». لوقا 11-41، يعوذك شيء واحد أذهب بع مالك واعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال واتبعني». مرقص 10-21.