الأربعاء - 15 يناير 2025
الأربعاء - 15 يناير 2025

نعم .. الوقت هو المال!

هناك مقولة شهيرة تُنسب لبنيامين فرانكلين - وهو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية - يُعلن فيها بشكل صريح وقاطع أن «الوقت هو المال» أو كما هي بالإنجليزية Time is Money. هذه المقولة البراغماتية حتى النخاع يجب ألا تؤخذ كدليل إدانة بجرم الجشع والطمع ضد قائلها أو كل من يستشهد بها لمجرد أنها ساوت أمراً معنوياً بآخر مادي ـ وهل هناك ما هو أكثر مادية من المال؟ الحقيقة هي أن بنيامين فرانكلين كان رجلاً متبصّراً وحكيماً بما فيه الكفاية ليستوعب دروس الماضي ويقرأ معطيات عصره ويستشرف المستقبل، ومن ثم يخرج بهذه النتيجة الحاسمة التي أصبحت اليوم تمثل «عقيدة» يتبناها معظم الناس الناجحين في الحياة على اختلاف مللهم ومشاربهم. في فيلم In Time الذي أدى دور البطولة فيه كل من جاستين تيمبرليك وأماندا سيفريد، كان الوقت هو المال حرفياً وليس مجازياً. ففي فيلم الخيال العلمي الذي أُنتج عام ٢٠١١ كان الوقت هو العملة المتداولة في عمليات الشراء والبيع. فسيارة رياضية فخمة على سبيل المثال قد يبلغ سعرها ـ بحسب الفيلم طبعاً ـ ٥٠ أو ٦٠ سنة من عمر الإنسان تُدفع عداً ونقداً عند الشراء! أما وجبة الغداء الفاخرة فقد تكلف عدداً من الـ «أسابيع» ويمكن ترك بضعة «أيام» فوق الحساب كـ«بقشيش». ولشراء تذكرة مواصلات للحافلة العامة فإن المرء كان يحتاج ساعة واحدة في بداية الفيلم، لكن مع تواصل ارتفاع تكاليف المعيشة أصبحت التذكرة للرحلة نفسها تكلف «ساعتين» في آخر الفيلم. ومن البديهي في هذه الحالة أن يكون الأكثر ثراء هم أولئك الذين ينجحون في تكديس أكبر قدر ممكن من الأعوام والشهور في حساباتهم المصرفية، في حين أن الفقراء لا تتجاوز ممتلكاتهم بضعة أشهر أو أيام. وبينهما يقف أفراد الطبقة الوسطى الكادحة الذين لا يتوقفون عن المطالبة بزيادة أجورهم من الوقت كي يستطيعوا مجابهة متطلبات الحياة الصعبة. وبالطبع، فإن الأثرياء كانوا يعيشون طويلاً فيما يموت الفقراء باكراً. والموت يحدث حال انتهاء رصيد الإنسان من الوقت، فلا اختلاف كبير عما يحصل في الواقع. أذهلتني الطريقة الذكية التي استطاع من خلالها الفيلم أن يحوّل شيئاً غير محسوس مثل الوقت إلى مادة ملموسة تشبه المال، بل هي كانت فعلياً المال المتداول بين الناس في إسقاط بالغ الذكاء لمقولة بنيامين فرانكلين الشهيرة. وبعيداً عن أحداث الفيلم، أريد أن أناقش قليلاً بعض الجوانب المتعلقة بهذه المقولة. ـ الوقت هو المال لأنك إن استثمرته بالشكل الصحيح، فإنك حتماً ستنال عائداً على هذا الاستثمار بطريقة أو بأخرى. ـ أفضل استثمار للوقت هو العمل على بناء المعارف وتطوير الذات واكتساب المهارات خصوصاً في ظل توجه معظم الدول نحو تبني اقتصادات قائمة على المعرفة. بالتالي فإن تسخير وقتك في تحصيل المعرفة هو استثمار مضمون مئة في المئة. ـ الساعات أو الأيام التي تمضي من دون اكتساب معرفة ما أو القيام بعمل منتج هي في لغة أهل الاستثمار تدعى خسارة! ـ الوقت الذي تقضيه في ترفيه نفسك أو التواصل الاجتماعي مع أهلك وأصدقائك ليس بالضرورة أن يكون استثماراً سيئاً للوقت، بل على العكس من ذلك، فهو استثمار محمود ومطلوب طالما أنه سينعكس إيجاباً على صحتك النفسية والجسدية وبالتالي على قدرتك في مواصلة العمل والعطاء. المهم ألا يمضي وقتك كله في الترفيه والتواصل الاجتماعي لأنك حينها ستبدأ بمراكمة «الخسائر» عوضاً عن «الربح»! ـ هناك قاسم مشترك بين معظم الناس الذين نجحوا في حياتهم وتميزوا، هذا القاسم هو حسن إدارة الوقت. أحدهم شبّه ساعات اليوم بالوديعة المصرفية التي توضع في حساب كل واحد منا في أول اليوم ثم تبدأ بالتناقص حتى يصبح رصيدنا المصرفي صفراً آخر اليوم. إذاً فالخيار لنا وحدنا، فإما أن نُحسن استثمار وديعة الوقت بشكل ناجح تتضاعف معه ثرواتنا، وإما نترك الوديعة تضيع من أيدينا ونخرج من دنيانا «مُفلسين»! [email protected]