2013-06-25
توسم قضايا الإنسان بأنها ذات تعقيد لا متناهي وسرمدي، يلتف في صيرورة دائرية على اعتبار أن الدائرة أكمل الأشكال الهندسية، لتعبّر عن مكنون الحقائق الإبداعية، لذا فإن الإبداع الإنساني ظل يتربع منظومة الرؤى من خلال تاريخه الطويل، فهو الوليد الشرعي للتأمل العقلي المتجول في نفسه وواقعه، مفاد ذلك الوصول إلى الحقائق والحلول، ليحقق إنسانيته وطموحاته، ومن ثم ليحكم سيطرته، لذا يمكن القول إن الإنسان في حراك أبدي ليصل إلى السمو الفكري الإبداعي، متبعاً طرق التطرف «الإفراط والتفريط» أو التوازن الموجود في الوسطية ليعبّر عن حكمته الأنطولوجية «الوجودية»، من خلال حاجاته البيولوجية (مأكل، مشرب، جنس)، ليطمئن على استمرار حياته ونسله، فجاءت حاجاته إلى أعجوبة بيولوجية أخرى لتخلق التوازن من جديد وتمثلت في النوم، الذي يقع في وسطية طبيعية «الغيبوبة والموت».
فالنوم راحة للبدن والجسم، فقد عرّفه أبقراط أبوالطب، الطبيب اليوناني 460 ق. م - 365 ق. م، صاحب القسم الشهير الذي يقسمه الأطباء قبل مزاولة مهنة الطب «النوم ينشأ عن انسحاب الدم والدفء إلى المناطق الداخلية». ووضح أرسطو الفيلسوف اليوناني 384 ق. م - 322 ق. م أن «التعب الذي يحل بالجسم يؤدي إلى أن يجف ويفقد حرارته، وبذلك ينتهي بالنوم».
وفي الديانة المسيحية تركيز على أهميته ورفض مبدأ الغنى عن طريق السهر «إذا اضطجعت فلا تخف، بل تضطجع ويلذ نومك» سفر الأمثال 3:24، «يرفض السهر من أجل الغنى، السهر لأجل الغنى يذيب الجسم، والاهتمام به ينفي النوم» سفر يشوع بن سيراخ 31:1.
ويؤكد القرآن الكريم أهمية النوم كما جاء في قوله تعالى {وجعلنا نومكم سباتاً} سورة النبأ، آية 9. السبات في اللغة الراحة، فهو حالة طبيعية من الاسترخاء تحتاج إليها كل الثديات والطيور والأسماك.
يتفاوت عدد الساعات التي يحتاج إليها الإنسان اعتماداً على التقدير الكيفي لا الكمي، لأن النوم ضرورة حياتية متوسطها ثلث اليوم، هناك أشخاص يطلق عليهم أصحاب النوم القصير، منهم نابليون بونابرت 1769 - 1821م، القائد العسكري الفرنسي وإمبراطور الفرنسيين، فقد كان لأعماله التأثير الكبير في السياسة الأوروبية.
أما أصحاب النوم الطويل، فمنهم ألبرت أينشتاين 1879 - 1955م الألماني والسويسري والأمريكي الجنسية، اليهودي الخلفية، أحد أهم علماء الفيزياء، اشتهر بنظريته في النسبية، وهناك النوم الثقيل «أهل الكهف»، بجانب النوم المرضي «مرض النوم»، وهو قاتل موجود في المناطق الاستوائية في قارة أفريقيا، ينتقل عن طريق ذبابة التسي تسي، ومن أعراضه حمى وصداع ونوم طويل غالباً ينتهي بالموت، غير أننا في بعض الأحيان نسخر من غيرنا من الناعسين في بعض الأماكن (قاعات الدراسة، وسائل النقل)، فقد سخر الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي والناشط السياسي الفرنسي 1905- 1980م من الناعسين على لسان إحدى شخصياته من خلال روايته «رجال بلا ظلال» وهو يروي كيف كان ينظر بهلع أثناء رحلة قطار إلى راكب جالس أمامه غارق في النوم يتأرجح كقطعة جماد مع تأرجحات المركب.
عليه، فإننا نرى أن النوم يجب أن يكون مسلّمة بديهية وضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، لأنه يعتمد على فلسفة الجسم الشخصية، فنحن نقلل أو نكثر منه تبعاً لمقياسنا، ما قد يؤدي إلى أخطار صحية ونفسية قد تضعف من إبداعاتنا على المدى البعيد، على الرغم من أن العديد من الفلاسفة، العلماء، المفكرين، النساك، العبّاد، والدارسين يحفزون على السهر بهدف التحصيل الأكاديمي العلمي، فلا معضلة في ذلك لأنهم يحددون ذلك بناء على ساعتهم البيولوجية، أما إذا فُرض كطريقة للتعذيب، أو زيادة في ساعات العمل فقد يؤدي إلى نتائج سلبية، أخطرها الموت أو الشلل «الموظف»، وقلة أو انعدام الإبداع على المديين القريب والبعيد «المؤسسة»، لذا فإن قوانين العمل أعطت الثلث الثاني بعد ثلث النوم، لنجمل حياتنا ونجدد نشاطنا لنبدع في الثلث الأخير.
للتواصل مع الكاتب
[email protected]