السبت - 21 ديسمبر 2024
السبت - 21 ديسمبر 2024

«الهامبرغريون»

كل عام تقام عشرات المؤتمرات وتوقع مئات البروتكولات للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري التي تعود جذورها إلى حقبة الثورة الصناعية في القرن الـ18، فخلال مئتي عام تم ضخ أكثر من 200 بليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي مما أصاب أرضنا بالشيخوخة! قد لا نكترث كثيراً لهذه الظاهرة لأنها خارج نطاق تغطية اهتماماتنا! لكن استوقفتني معلومة طريفة وهي أن صناعة الهامبرغر في الولايات المتحدة الأمريكية تنتج سنوياً أكثر من 200 مليون طن من غاز الكربون الذي يرفع درجات حرارة الأرض ويذيب جليد أطراف المعمورة! ويتوقع علماء البيئة أن ذلك سيؤدي مستقبلاً إلى فيضان المحيطات وغرق السواحل، حيث تخبرنا أقمار «ناسا» أن معدل انحسار الجليد في القطبين هو تسعة في المئة في كل عقد من الزمن بسبب احتباس هذه الغازات، ما سيفضي إلى قيام حروب من أجل اليابسة التي ستتناقص مساحتها بسبب غرق المدن الساحلية وتحول المدن الداخلية إلى مدن بحرية! علاوة على انتشار الأمراض وتفشي المجاعات وفناء الكائنات! كل ذلك قد يحصل بسبب «شاطر ومشطور بينهما كامخ» أو ما يعرف اختصاراً بالهمبرغر! يروى تاريخياً أن جيش جنكيزخان هم من اخترع الهامبرغر الأول أثناء غزوهم العالم القديم، ثم انتقلت هذه العادة إلى روسيا ومنها إلى مدينة هامبورغ الألمانية فنسبت إليها عالمياً، وليس كما يدعي البعض أن اسم الهامبرغر هو نسبة إلى لحم الخنزير «هام»، ويبدو أن جنكيزخان أراد أن يستعمر الناس الذين لن يصل إليهم سيفه زمنياً فورث الهمبرغر لمن بعده ليكمل خطته الاستيطانية بطريقة أكثر حضارية! إن الهامبرغر يحتوي على نسب عالية من الدهنيات والسعرات الحرارية جعلت منه «إسمنتاً» في شرايين القلب والكلى والدماغ! فإن بنى حائطه في القلب تسبب بالجلطة القلبية وقتل عضلة القلب، وإن بناه في الكلى تسبب بالفشل الكلوي وانتهى المريض إلى جانب أحد أجهزة الغسيل، وإن بناه في الدماغ تسبب بالشلل النصفي الذي يجعل الإنسان جثة حية هامدة. ومن نافلة القول أن هذا الهمبرغر يعتبر ساحة عطرة لكل ما هب ودب من المايكروبات التي لا تقهرها حالة الطقس المتطرفة فتصيب جسم الإنسان بالجفاف الذي يذره ورقاً يابساً قد تفتته الرياح في أي لحظة! وبسبب انتشار مئات المطاعم المتفننة في بيع الهمبرغر ذي الطبقات المتعددة، انتشرت السمنة وأمراض السكري عند الأطفال، ولعل أبناء جيلي يذكرون كيف أن السمين كان يشار له بالبنان في الصف، أما اليوم فقد انقلبت القاعدة وأصبح النحيل مخالفاً للمظهر العام في المدرسة، بل إنك لتستصعب التفريق بين أبناء الصف الواحد بسبب تشابه التمدد العضلي الناتج عن تناول النظام الغذائي نفسه المشبع بالصحة والعافية في كل حي. ولو رجعنا إلى أيام أجدادنا لما رأيناهم يعانون من هذه الأمراض التي صارت صديقة العائلة مثل السمنة وارتفاع الدهون والضغط والسكري وغيرها مما يرتبط مباشرة بالعادات الغذائية والحركية. إن طقوس ابتلاع الهمبرغر لا تحلو إلا أمام التلفزيون ذي المئة والمئتي قناة تجعل آكله قابعاً أمام الشاشة على مدار الـ24 ساعة، يقلب القنوات يمنة ويسرة من مسلسل خليجي إلى مسلسل تركي، ومن نشرة إخبارية على قناة الجزيرة لأخرى على قناة العربية. والدراسات الحديثة تثبت أن مشاهدة التلفار أكثر من أربع ساعات يومياً تجعل الإنسان عرضة للموت المبكر بسبب زيادة نسبة الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين. أما في العقد الماضي حين كنا لا نستطيع مشاهدة أكثر من ثلاث قنوات محلية، كانت مشاهدة التلفاز مقتصرة على فترة مسائية محددة، وكان عرض سباق للهجن كفيلاً بإزاحة جميع القاطنين في المنزل إلى ساحة الحي لممارسة الأنشطة الحركية حيث يتحول الشارع إلى ساحة ملعب مفتوحة وباب البيت إلى مرمى كرة قدم وأذان المغرب إلى صفارة لانتهاء أشكال الحركة كافة. بعد عرض هذه الحقائق عن الهمبرغر ألا يوحي ذلك بأن الإنسان أكثر خطراً على نفسه وعلى بني جلدته وعلى بيئته وعلى جميع ما يدب على الأرض من نباتات وحيوانات من أي كائن آخر، فهو من أبدع هذه الصناعة المطعمة بالمناكير. يقول الله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين». للتواصل مع الكاتب: [email protected]