الجمعة - 13 ديسمبر 2024
الجمعة - 13 ديسمبر 2024

الخط .. في درس اللغة أم حصة الفنون

إن ما يشجع على الكتابة في مواضيع التعليم والمناهج وتقديم الاقتراحات وجود آذان مصغية متدبرة، ويبدو هذا جلياً، فالتطور يتطلب الانفتاح على مختلف الآراء والتمعن لاصطفاء الصالح منها والأنسب والأسلم، وتطور مناهجنا إنما هو شاهد على البحث عن الخيار الأفضل لأجيالنا، وبرغم أني طالبة جامعية اعتدت على الكتابة حول المرحلة الجامعية إلا أنني سأعود في هذا المقال إلى سنوات الدراسة. أذكر أني عندما كنت في الصف السادس وكتبت لنا معلمة الفنون - رحمها الله - جملة باللغة العربية على السبورة البيضاء أعجبت بخطها أيما إعجاب، لقد كان خطها حسناً وفنياً، ولم تكن معلمة اللغة العربية بذلك المستوى في الخط العربي، ولعل كثيراً من معلمات اللغة العربية لا يتعدى خطهن الفرق الواضح بين خط طفل وخط شخص بالغ، لا نقلل بذلك من قدرهن، فنحن لا نطلب من المعلمات أو المعلمين أن يكونوا خطاطين مبدعين ماهرين، ولكننا نشير إلى المشكلة الأولى في جعل الخط العربي جزءاً من تدريس مادة اللغة العربية، بينما هو فن مستقل مبتدع من دون سابق مثيل، ولهذا الوضع عدة سلبيات، منها عدم تنمية الذائقة الفنية للخط العربي لدى الطلبة بالشكل الصحيح، عدم تدريسهم أساسياته المتعارف عليها، وبالتالي يهون الخط ويستسهل لدى الطلبة ولا تظهر المواهب من براعمها، وتجد الطلبة يظنون أن الخط كتابة جميلة غير مدركين صعوبته وقواعده وتاريخه وأنواعه ودقته وكل ما يخصه ويميزه بين فنون العالم. وإن كان الغرض من تدريس الخط مجرد تحسين خط الطلبة، فإننا بذلك نلغيه ونتجاهله كلياً، فالخط فن، وعلى الفن أن يعرض كما هو، وأحد وأهم هذه الأسباب أن المصحف حتى يومنا هذا يكتب بخط اليد ثم ينسخ آلياً، وسيجد كثير من القراء هذه المعلومة غريبة عجيبة، ولكن خط النسخ الذي يكتب به القرآن والذي يسمى بالخط المصحفي وقد تم تطويره لتسهل قراءته على يد الخطاط عثمان طه هو خط يدوي، وكثير من المصاحف كتبت بالرسم العثماني أي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه فهما ليسا العثمان نفسه، ومن يسوقه الفضول للاطلاع فسيجد أن الخط في المصاحف التي كتبت على يد الخطاط نفسه وأقصد عثمان طه قد تطور وتطوَّع في آخر المصاحف التي كتبها عن أولها. هذه السلبيات التي نتحدث عنها من جهة النظرة الفنية للخط العربي، أما الناحية العملية فقد تعترض على هذا كونها ترى الخط تحسيناً وتجد في تدريسه ضمن حصص اللغة تسهيلاً وتحبيباً، ولكننا من جهة الفن نجد ذلك إجراماً لأننا غير قادرين على تطعيم كل معلم لغة عربية بموهبة الخط العربي، وربما نحن قادرون على تعليمه ولكننا أيضاً نقود إلى النهر فقط، وبذلك نشوه العين العربية عن فنها العربي. من هنا تأتي اقتراحات عدة، منها أن يكون هناك حوالي ثلاثة دروس خلال السنة بمقدار حصة لكل فصل دراسي حول الخط العربي في مادة اللغة العربية على أن يقدم هذه الحصة خطاط وخطاطة والأفضل أن يكون معلم الفنون (أو معلمة) في المدرسة إن كان ماهراً في هذا الفن. ونشير إلى أن الإمارات تشهد هذه السنوات مع اهتمامها المتزايد بهذا الفن بزوغ نجوم صغيرة في الخط العربي من أبنائها وساكنيها، فمن الخير أن يكون هؤلاء معلمي هذا الفن في المستقبل القريب والذي يرتقي فوق فن الرسم أهمية ومكانة عندنا سواء كعرب أو مسلمين. وأما الاقتراح الثاني فهو أن يكون جزءاً مهماً من منهاج وخطة التربية الفنية وبالطبع على يد ماهرة به، والأحسن من كليهما أن يجتمعا. جزء آخر يجب أن تقوم به الجمعيات الثقافية والمراكز، وهو عمل ورش ودورات حول هذا الفن بالاستعانة بالخطاطين، أو أن يقوم الخطاطون أنفسهم بالمبادرة وقيادة هذا الدور التوعوي بهذا الفن. حصة اللغة تعلم النحو والإعراب والقراءة والكتابة والتحدث وتكوين الجمل والمقالات والأدب من شعر ونثر ومسرح ومقامات وغيره، وحصة الفنون لتهذيب النقد الجمالي وتمرين العين على التناسق والتسلسل والانسياب وتعويدها التفريق بين ما هو متزن معبر وبين ما هو مشوّه متنافر، فحاسة النظر أقرب للخط من حاسة السمع التي تركز عليها حصة اللغة العربية. ولأن الفن يمثل الشكل الأمثل لاكتمال الحضارة ورقيها وثبات أساسها وذائقتها ومميزاتها الحضارية والتراثية، فإننا نضعه ورقة ثقيلة في طاولة النقاش.