2013-02-05
الفرق بين الجامعة والكلية هو أن الكلية محدودة التخصصات مقارنة بالجامعة، وأما هذه الأخيرة فتجمع مختلف المجالات العلمية والتخصصات والأقسام، وبرغم هذا التنوع فقد تخصصت بعض الجامعات في أنواع معيَّنة من العلوم، كالأدبية أو التكنولوجية أو العلمية أو الفنية وغيرها، وهذا التخصص لا ينفي عن الجامعة صفة التنوع، لأن كل علم بالطبيعة متفرع بشكل كبير، والعلم دائماً في توسع وتخصص أكثر.
حول هذه الميزة في الجامعة، فإن فكرة «التكامل الذاتي في التعليم» التي سنأتي على تفاصيلها، هي فكرة للتطبيق الجامعي بين الكليات المختلفة، ولنأخذ مثالاً تمهيدياً لفوائد هذا التكامل وحاجتنا إليه. في عالم السياسة والدول تجد أن بلدان العالم تسعى إلى حماية نفسها من خلال القوة الاقتصادية، فتحقق الحماية لشعبها، والرفاهية والأمن من العدوان، والقوة الاقتصادية تتحقق بالاكتفاء الذاتي، وتفوُّق الصادر على الوارد، فكلما كانت الدولة معتمدة على نفسها ومواردها، كانت أقوى، وهذه الاستقلالية النسبية تساعدها على التوسع الداخلي، وتبادل التجارب بسهولة وسرعة وأمانة أكثر، لأن كل حقل فيها معتمد على حقل آخر داخل الدولة، ما يخلق جواً من الأخوة المهنية، وتبادل الخبرات، والتقدير المتبادل بين الحقول.
إذاً، بشكل أكثر بساطة نقول، إننا في حاجة إلى التكامل الذاتي في التعليم لتحقيق تبادل الخبرات بين الطلبة، وتطوير الجامعة إلى مجتمع مصغر، يعتمد فيه الداخل على نفسه، وتنمية مهارات الاتصال بين الطلبة، وتأدية الطلبة دورهم المجتمعي بشكل مبدئي في الجامعة، أي تحمُّل المسؤولية التخصصية مبكراً، وكل هذه الأمور وأكثر تقوي الجانب الخُلقي المتعلق بالمهنة، لأسباب عدة، أحدها هو بناء الأخلاق المهنية للطلاب من خلال التطبيق العملي للمهنة بشكل جزئي تحت إشراف الدكاترة والهيئات التدريسية داخل حرم الجامعة.
استعرضنا إذاً حاجتنا وبعض فوائد «التكامل الذاتي في التعليم»، فكيف هي صورة تطبيقه؟ لنشرحَ تطبيقه ببساطة سنأخذ بعض الكليات الجامعية، (الطب والهندسة وتكنولوجيا المعلومات والإعلام والقانون)، سيناريو العمل يقوم على أن يتولى طلبة الإعلام الإعلان الداخلي المرئي أو المسموع أو المقروء، للنجاحات التي تحققها بقية الكليات، وذلك عبر تقسيم هؤلاء الطلبة إلى مجموعات تقوم كل منها على تولي مسؤولية الإعلان عن كلية ما من كليات الجامعة، وفي ذلك إعلان عن نفسها - نقصد كلية الإعلام - بالطبيعة. طلبة الإعلام يقومون بتصميم إعلانات لشركات وهمية ومشاريع لم ولن ترى النور، فلمَ لا تكون هذه المشروعات موجودة أصلاً فنضرب عصفورين بحجر؟ فقد عرضنا مشاريع طلبتنا - لإحدى الكليات العلمية مثلاً - من جهة، وساعدنا طلبة الإعلام على تطبيق مفاهيم درسوها بشكل حقيقي من جهة أخرى.
كلية الإعلام هي الأعين والآذان والألسنة، ومن جهة أخرى أيضاً يستخدمون أجهزة يصنعها المهندسون، وتحديداً المهندسين الكهربائيين، ومن هنا نحوِّل الأجهزة التي يقوم بها طلبة الهندسة الكهربائية من ميكروفونات متحركة لاسلكية وأمور مشابهة، إلى أجهزة قابلة للاستخدام، بدل أن تُلقى في المختبرات والمخازن، ومن سيستخدمها هم طلبة الإعلام، بوصفهم أهم المستخدمين، ويقوم طلبة تكنولوجيا المعلومات بالتدخل البرمجي في أجهزة المهندسين لتصبح أكثر تطوراً، أو يقومون بتولي أمور الأجهزة الإلكترونية من الحواسيب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، فيكونون الملجأ الأول لزملائهم. أما طلبة القانون فهم من سيعرّفون كل قسم بقوانين مهنته والقوانين العامة والمشتركة، وهذه من أهم النقاط، لأنها ستبني احترام القانون، وتصنع رادعاً عن التعدي عليه، وتعلم الالتزام والاحترام، وقد يقومون بإعداد محاضرات في ذلك، والقانون - حقيقة - أكبر من أن أكتب عنه سطوراً عدة، وأخيراً فإن على كلية الطب أن توعي الطلبة صحياً، وهذا أيضاً أمر لا يمكن الحديث عنه باختصار، فسأكتفي بعنوانه.
تستفيد الجامعة من هذا أنها ستخرّج طلبة أكثر خبرة بالاعتماد على الداخل، وأكثر ثقة، وتبني روابط أقوى بين الطلبة، وتعلن عن نفسها بشكل غير مباشر. وتطبيق «التكامل الذاتي في التعليم» يبنى على قواعد معيَّنة يستطيع المخططون الاستراتيجيون أو المفكرون أن يضعوها، اعتماداً على حالة كل جامعة ومتطلباتها ومتعلقاتها، لكن ما لا شك فيه أن تطبيقه سيعود بالنفع على الجميع، ويجعل الجامعة مكاناً جاذباً للطلبة. لقد آن أن نطور بشكل كبير وملموس أسلوب التعليم العالي، فالأجيال تتطور بسرعة كبيرة، والتكنولوجيا تتقدم، وفي كل مرة تتقدم فيها، تضيق بالأساليب القديمة، وتسعى إلى متنفس أوسع. في الواقع نحن يجب أن نطبق «التكامل الذاتي في التعليم» ليس لأننا في حاجة إليه فقط، بل لأننا ربما نخسر إن لم نطبقه أيضاً، نخسر عقولاً مبدعة، نخسر إمكانيات إنسانية هائلة، ونخسر المكان الذي يجب أن نرتقي إليه في قيادة الأمم بأساليبنا المبتكرة والحديثة والمتطورة والمبتدعة.
وأخيراً، هناك تطبيق نسبي للتكامل التعليمي في بعض الجامعات، ولكننا نريده أن يكون أسلوب تعليم معمَّماً بفعالية، وأن يكون أسلوبنا في تعليم أجيالنا وتنمية إمكانياتهم بما يفيد الوطن والأمة.