المتاجرون بالطاقة

لا يختلف اثنان على أن الكون قائم على مجموعة من الأسرار وأن هناك تأثيراً طاقوياً في الفرد وفي الأشياء والعكس، وعندما عمَّق الصينيون واليابانيون استخدامات علوم الطاقة كانت لغاية الاستشفاء النفسي والجسدي. في السنوات الأخيرة شهدنا اتجاهاً كبيراً لدى الإناث خاصة في المجتمع نحو علوم الطاقة والتنمية البشرية، مع ظهور أسماء متعددة في هذا المجال، سواء من الرجال أو النساء ممن عرفوا بتقديمهم لدورات وجلسات وخلوات علاجية، بحيث يكونون مرشدين لمجموعة من الأشخاص بهدف مساعدتهم على فهم ذواتهم والتغلب على مشاكلهم السيكولوجية والعضوية عبر مجموعة من التمرينات والمحاضرات. ومع اتساع هذا التوجه بات الأمر يأخذ طابعاً ربحياً وتجارياً لتتراوح أسعار المحاضرات والدورات في اليوم الواحد ولمدة لا تتجاوز الساعتين من 2000 إلى 8000 درهم وإن كانت ضمن باقات الـ «في اَي بي» تتجاوز العشرة آلاف دهم، وفِي حال كانت جلسات علاجية بين أحضان الريف الأوروبي فالرحلة لا تقل عن 40000 ألف درهم! ولم يقتصر الأمر على الأفراد بل باتت دورات التنمية واكتشاف الذات ونشر الإيجابية وطرق التحلي بها جزءاً من خطط الدوائر والمؤسسات،وهو أمر جيد بطبيعة الحال كونه يخرج الموظف من دائرة الروتين ويزوده بمهارات معينة تطوره وتقوده إلى الإبداع ،إلا أنه عندما يتم استقطاب المدربين والمؤثرين في هذا الشأن بناءً على الضجة التي يحدثها في مواقع التواصل الاجتماعي وعدد متابعيه والتصفيق الذي يحظى به، ليس وفقاً لشهاداته وتخصصه في هذا الجانب، هنا يتجاوز الأمر الفائدة للجهة وموظفيها إلى الترويج وجذب الأنظار. التنمية البشرية علم قائم بذاته وموضوعاته تبدأ من لغة الجسد مروراً بطرق وضع الأهداف ورسم خريطة طريق إلى جانب فنون الإقناع والتأثير والقبول وإدارة المشاعر وعوامل النجاح وغيرها كثير، وصولاً إلى أسرار الروحانيات كما يصنفه أهل الاختصاص في هذا الشأن، ويجب ألا تزاحم المتخصصين بها شلة المتسلقين ممن ينظرون للكسب المادي أكثر من إكساب المنتسبين الفائدة، فساعة تدريب تجر وراءها ساعات حتى يلاقي المتدرب مبتغاه والسعر مع كل ساعة سيتضاعف بلا شك! وتتعدد وسائل التدريب من هذا النوع، ومع هذه القنوات المتعددة بات الأمر يستلزم وجود إطار تنظيمي رقابي لتقويض محاولات الاستغلال وحماية المشتغلين في هذا المجال والمتجهين إليه. وأقول لهؤلاء ممن يسعون للمثالية في مختلف جوانب حياتهم وينفقون أموالاً طائلة ليفهموا ذواتهم والمحيطين بهم .. الإغراق في فهم النفس البشرية لا يزيدها سوى تعقيداً .. دعوا الأمور تجري بسلاسة ولا تكونوا فرائس سهلة للمتاجرين باحتياجاتكم الداخلية! [email protected]