الجمعة - 27 ديسمبر 2024
الجمعة - 27 ديسمبر 2024

أمية المتعلم

من ظن أن الأمية جهل القراءة والكتابة فإنه لم يعرف أمية المتعلم، إنها الأمية الخفية، من علل العصور منذ أول إنسان ظهر على سطح الأرض، إنها الاكتفاء بما تيسر من المعرفة، ومن مصادر آسنة بالتحريف، والتجهيل، إنها كسل الإنسان وعزوفه عن فضيلة الشك، إنها تصنع على مر العصور رموزاً من ورق، وعلماء رأس مالهم مكانتهم الاجتماعية، أو ورقة تثبت أنهم يقرؤون ويكتبون، وتسمى مجازاً بالشهادة، أو المؤهل. وأحياناً بحسب هبات العصر، يمكن أن يكون ارتباط شخص ما بتيار مهيمن، أو جماعة مسيطرة، سبباً كافياً ليكون مصدراً للمعلومة، والرأي السديد، وكل ذلك محض هراء، ومن مخلفات الغباء الإنساني التي يصدرها للتاريخ، ويفعل التدوين فعلته بالتطبيل بيد المدون أو حكواتي زمن ما. فإن كنت ممن أبعاد معرفته لا تتجاوز فلاناً من الناس، أو أخباراً من تطبيق إلكتروني، أبواق الإشاعات الأنيقة، فأنت المتعلم الأمي، أنت تقرأ وتكتب فقط. فالاطلاع، والبحث، والقراءة، كلها أسلحتك أمام الجهل، والخوف، والخداع، والمؤامرات، باختصار إنها تحميك من أن تكون مطية لأفكار أو طموح أحدهم، إنها تكشف لك عن أسرار الحياة، بل تثبت لك أن ما تراه مجرد قشرة، والعمق يحوي الكثير من الأمور التي لا تعرفها. اطلع واقرأ، فإن الحياة تُسفر عن جملها، وعظمتها، للباحثين في أسرارها، وتبدو في صميم الجاهل بها، كئيبة، أو مخيفة، أو خطرة، لكن من يفتش بين ثنايا أسرارها، حتماً حياته مختلفة. لا بد من أن تكون في داخلك أسئلة كثيرة، وحيرة لا تليق بالإنسان، حدد ماذا يشغلك، وابحث عنه في مصادر الباحثين فيه، كن طماعاً وجشعاً في التعلم والمعرفة، لأنك كلما عرفت، فإنك سوف تمسك بتلابيب الحيرة، والمشاكل، وتحسم أمرها، ستأخذ ممن أفنى عمره في البحث والتحري ودراسة ما يشغلك، ستأخذ خلاصة عمره وكده وتعبه، إنها كنوز لو تعلم. إن تحقيق رغباتك بمتعة غامرة، قد يكون مشروطاً بالمعرفة العميقة، لأنك تفعل أموراً كثيرة وتظن أنك تفعلها بالطريقة الصحيحة، وكم سيفاجئك جهلك، أنك كنت زمناً طويلاً تفعلها بالمقلوب، أو أنك لم تفعلها أصلاً كما كنت تظن. [email protected]