2018-09-10
كل ثابت هو ميت، يقال أحياناً في الإشارة إلى ضرورة الحركة المستدامة للأشياء والأفكار والأشخاص، ولعلي أرى أن أبرز ما يتعاطى بمرونة نوعية مع فكرة التغيير المستمر والمتحول من ناحية الصنعة البشرية هي الفنون على اختلاف أشكالها، التي تدلل بوضوح على الكيفية التي يتطور ويتغير مبتدعها من خلالها باستمرار ليرشد إلى استمراريته هو، وعلى ما يراكمه من تحولات حيوية ممتدة منذ الضربة الأولى للفكرة الإبداعية.
كنت أتأمل عملاً مبهماً لـ «آندي وارهول» الفنان الأمريكي الجدلي، لشدة وضوح أعماله وغموضها في آن واحد، عموماً العمل كان عبارة عن رسمة ثنائية الأبعاد لمعلب حساء كامبل المشهور في الآن ذاك في الولايات المتحدة الأمريكية، ولعلك في حال لم تكن لديك خلفية حول «وارهول» كفنان، وحول خطه المتناول لفن البوب، الذي كان ينتهج التعبير عن الفكرة بشكل صارم وصادم في آن واحد، بغض النظر عن الاعتبارات الجمالية التقليدية، فإنك لن تستطيع أن تربط بين ذلك المعلب وبين موقف «وارهول»المنتقد للاستهلاك الفج والرداءة من خلال عرض الرداءة نفسها كعمل فني، بعد أن كان قد شارك بنفسه في تصميم معلبات الحملة الإعلانية للشركة ذاتها، إن «وارهول» وأقرانه سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الشكل الفني العام، يشكلون نقلات مرحلية تخرج الفن عموماً من حالاته الجامدة التي قد تكلفه استمراريته.. مرحلة انتقالية ستشهدها فترات أخرى من الغربلة لإعادة تشكيل القاعدة الفنية التي ستستند إليها معروضات المتاحف الكبرى.
من منا لم تمر به خلال نشأته أو في مرات كثيرة وهو يتجول هنا أو هناك تلك العبارات على الجدران، المعبرة عن احتجاج بذئ أحياناً أو عن حب في أحياناً أخرى، أو عن مجرد عبارة محفوظة من بيت شعر أو مثل متداول؟!! ولعل بعضنا لاحظ مع الوقت تطور تلك العبارات لتصبح رسوماً ملونة وأشكالاً ورموزاً بقاعدة خاصة للتعبير والفن، ولعل البعض الأقل منا قد أغراه ذلك بتتبع فكرة فنون الشارع حول العالم، التي أصبح لها فنانوها وأفكارهم، مخرجين الفن مرة أخرى من حالة إلى حالة، ومن مكان متعارف عليه إلى عالم عام بحيث تنقل صالات العرض إلى الهواء الطلق، ليعود السؤال ساطعاً بشكل أكثر وضوحاً هذه المرة حول ماهية الجمال الفني ومكانه، لكن ألم تبدأ فكرة الفن البصري من عرض اليومي المتعارف عليه بطريقة غير تقليدية؟ وأن الخروج المستمر عن التقليد يستلزم تغيراً مستمراً في فهم الجمالي ومكانه وعلاقته مع المتلقي الذي يستهدفه دائماً؟!
[email protected]