2018-09-06
«إن الإقبال على النزعة المادية ونظام الجدارة الذي تتشبع به المواد الصحافية والبرامج التلفزيونية في هذا الزمن لا يعكس شيئاً أكثر تعقيداً من مصالح أولئك الذين يتحكمون في النظام الذي تكسب الأغلبية العظمى عيشها من خلاله» يقول ألان دو بوتون الفيلسوف البريطاني من أصل نمساوي، ما جعلني أتساءل عن ذلك الكم المهدر من حياتنا بحثاً عن استحقاق ما مصدق بلغة الأرقام وحدها واقعية أو افتراضية لا فرق، وهذا الاستحقاق لا نناله بجدارة الكدح لساعات طويلة عبر الشبكات الاجتماعية أو في المكاتب المغلقة، وإنما بالقدر الذي تتيحه لنا الغطرسة الكونية التي يمكن تلمسها في زميل لا يعجبه حذاء آخر، أو تلاسن لا يكاد ينتهي في حساب أصفر - لتداول الفضائح - حتى يبدأ في آخر. كان تولستوي يعتقد أنه أهدر عمراً على الأرض في عيش حياة وجيهة ومحترمة خارجياً ومجدبة داخلياً، إلا أنه لم يعمر ليتأمل، كما يحتم عمله روائياً، التصحر العام الذي يتداوله البشر في ثوانٍ معدودة مع سبق الإصرار والترصد.
وبالنسبة لي لا تزال الدوافع غامضة من راء اختيار الأشخاص مسالك لا تمت لحقيقة الأشياء بصلة، ولا تمنح الفرصة لإعادة ترتيب الأولويات، وربما ما أقدم عليه أحد زملائي الإعلاميين حين قرر مقاطعة العالم الافتراضي والإبقاء على حد أدنى من الاتصال يبدو مقنعاً وجنونياً في آن، إذ إن كل ما حولك يدعوك لتبقى متصلاً منذ فجر يومك حتى أول الحلم، ولا يبدو أن ذلك يسبب شيئاً آخر سوى التعاسة وتساؤلاً كبيراً حول أزمة المعنى التي يعيشها كثر، وتبدو طافحة في تدويناتهم المختزلة وصور يومهم الطازجة.
ماذا لو انتهى كل ذلك؟ هل يمكن لموت الرقمنة أن يكون حلاً؟ أطرح الفكرة لأن توقع الفناء قادر على دق ناقوس الوعي وكشف هشاشة الاهتمام الذي نحصده كل يوم بفضل مقطع فيديو جدلي مثلاً، فعند اقتراب هذا الشبح يمكن أن يضفي ذلك أصالة أكثر على جوهر حياتنا الاجتماعية والمهنية والفكرية، وحين نفقد هذا الإعجاب المرتبط بظهورنا عبر المنصات الإلكترونية، حينها فقط قد نلتفت إلى قيمة الأشياء التي نكافح كل يوم للإبقاء عليها متوهجة كلون أحمر الشفاه قبل أن تلتقط إحدانا «سيلفي» أو الجمل المنمقة التي نحاول بها إنقاذ العالم، وربما نقف لنفكر ملياً في ما يحقق لنا هذا الاحترام والوجاهة ودوام المكانة الرقمية، هل هو نحن حقاً أم ما نريد للآخرين رؤيته وسماعه والإعجاب به؟
[email protected]