2018-08-26
عجبت من رأي ذلك الشاب المتميز بذكائه وفطنته، عندما وصف أحد المعروفين بسوء أخلاقهم إلى درجة يستعصي وصفها، فقد كان مبدعاً في سوء الخلق، يخترع طرقاً لا ترد على خاطر، فقد قال الشاب عنه: «أشكر الأقدار التي عرفتني عليه، تعلمت منه الكثير»، دُهِشت جداً حينما وجدته يُثني عليه بهذه الصورة، شككت بقدرته على فهم الناس.. ولكن.
حينما أوضح لي الشاب مقصده، فهمت ما كان يرمي إليه، فبعد معاشرة ذلك الرجل السيء لفترة امتدت لعام، وجد الشاب نفسه وقد تَعَرَّف على كل أساليب الكذب والتحايل والخداع والاستغلال والوشاية والإيقاع بالطيبين والطمع والجشع والوصولية ووو.. وغيرها الكثير من المثالب، وبالتالي استطاع أن يعرف أدواته ولغته وأساليبه للوصول إلى أهدافه بواسطة هذه العيوب، فأمكنه أن يتحصن من كل السيئيين، لأن هذا الرجل كان مُجَمَّعاً لكل العيوب الخُلُقية، وبذلك فقد اختصر على الشاب مشواراً طويلاً من التجارب مع هؤلاء البشر.
اعتبر الشاب نفسه وقد تناول التطعيمات والأمصال اللازمة لفهم ومقاومة كل الأخلاقيات السيئة، كما اكتسب حِرَفيَّة في التعامل معهم، لذلك شكر الأقدار التي جعلته يَتَعَرّف عليه، فعلا اتضح أنه شاب ذكي وفَطِن.
واكتشفتُ أن مثل هؤلاء السيئين من البشر؛ لابد من وجودهم، فلولاهم لما سُنت قوانين الردع والعقاب، ولولاهم لما عرفنا قيمة الطيبة والاستقامة والخُلُق الحسن، ولولاهم لما شحنا الفطنة والمهارة لاكتشاف ألاعيب البعض، ولولا وجودهم ما تحرزنا وتيقظنا وانتبهنا إلى أمورنا وحرصنا على ممتلكاتنا، فهم بحق ساهموا في تقدم البشرية حيث تطلب الأمر وضع القوانين والدساتير، وكذلك اختراع القفل والعارضة والخزنة التليدية والديجيتال، وطورت أجهزة الشرطة أساليبها، وظهرت شركات الأمن الخاص «السكيورتي».
هم حقاً أُناس لا بد من وجودهم.
[email protected]