2018-08-25
يبدو جلياً إقبال الناس المتزايد على جلسات المقاهي بمفهومها الحديث وليس الشعبي أو ما يعرف بـ «الكوفي شوب والكافيه» خصوصاً من فئة الشباب، فلا يكاد يعلن عن افتتاح مقهى جديد خصوصاً إن كان عالمياً، إلا ونرى الطوابير الطويلة المصطفة للحصول على طاولة فيه واحتساء كوب من القهوة أو تناول الحلويات والعصائر،وبالتأكيد توثيق ذلك على حسابات التواصل الاجتماعي.
ولأنني كغيري أتردد كثيراً على أماكن كهذه لأغراض عدة كالالتقاء بالصديقات أو عقد اجتماعات عمل وغيرها استوقفتني كثيراً مشاهد لاحظت تكرار سيناريوهاتها في أكثر من مكان .. شابات متأنقات حاملات أرقى الحقائب .. شبان بهندام مرتب وعطور فواحة .. عائلات صغيرة متناثرة هنا وهناك على استحياء .. وبينهم سواح أجانب بهيئتهم البسيطة غير المتكلفة.
ووسط مظاهر الاستعراض التي تملأ كثيراً من تلك المقاهي و«الكوفي شوب» ذهبت بأفكاري بعيداً لأتأمل في غايات هؤلاء ممن يجلسون فقط من أجل «البحلقة» في القادم والذاهب والجالس دون اكتراث بآداب الذوق العام والتسبب بإزعاج البعض ممن يحتسون القهوة عبر نظرات لا تكف عن الملاحقة .. فتذكرت حينها قول أحدهم: نعم هي إحدى عادات بعض أهل يعرب «البحلقة».
وتساءلت حينها عن مدى إحساس تلك الفئة بالفراغ والانشغال بالآخرين ثم قادتني أفكاري المتداخلة إلى تلك المقاهي التي تتوزع في بعض العواصم العالمية والعربية بحيث يجتمع فيها الناس لغايات اجتماعية أو ثقافية أو غيرها وسط أجواء حميمية ودوافع مشتركة تربط رواده.
وتكون لذلك المكان صبغة خاصة بنوعية من يتردد عليه كأن يكون مقهى ثقافياً مثل تلك التي لعبت في زمن ما دوراً فكرياً وسياسياً وكانت بؤراً للإبداع الفني والأدبي والمسرحي، فما ما بين مصر ومقهى «ريش» الذي صدح بين جنباته صوت أم كلثوم الشجي وتشهد طاولته وأكواب الشاي على كتابات نجيب محفوظ وأبيات أمل دنقل إلى بيروت ومقاهي شارع الحمرا التي كانت قبلة السياسيين والمثقفين العرب ومنها إلى دمشق وبغداد، وتلك البعيدة في المدن الأوروبية التي تتميز بالمقاهي التي يجتمع فيها أصحاب المهن المختلفة كمقاهي الصيادين أو الفنانين أو المسرحيين وغيرها من تصنيفات تنم عن الحالة الثقافية أو الاجتماعية السائدة في بقعة ما وخلقت وعياً واضحاً وسطها نتيجة تلاقح الأفكار مع تداول أكواب الشاي والقهوة.
وبعد لحظات تأمل طويلة انتبهت على صوت النادل وهو يسألني عن مدى رضاي عن القهوة التي أحتسيها مع قطعة الكعك أدركت حينها أنني عدت مجدداً لوسط مادي ظاهري تكسوه «ملامح أمل» ما دامت الموسيقى التي تم تشغيلها في الكافيه لـ «فرانك سيناترا»!!!
[email protected]