الجمعة - 27 ديسمبر 2024
الجمعة - 27 ديسمبر 2024

رحلة مارك أوجيه

الأغلب يختار الموسم الصيفي باعتباره الفترة الأمثل لاقتطاع إجازته السنوية، بعيداً عن المشاغل وتوترات العمل، والأغلب أيضاً يختار أن يستثمر هذه الإجازة في رحلة إلى منطقة غير معتادة بالنسبة له، لكن إلى أي مدى قد نكون دقيقين هنا في وصف تلك الاستراحة البعيدة المجتزَأة بالرحلة؟ وهل هناك فرق جوهري حقيقي بين الرحلة والسفر؟ الكلمتان اللتان لعلنا اعتدنا أن نربطهما بالمعنى ذاته ضمنياً. في أحد فصول كتابه «الزمن أطلالاً»، يتناول «مارك أوجيه» هذه الفكرة حول مفهوم الرحلة بشكل تفصيلي ملفت، فبحسب وجهة نظر «أوجيه»؛ يجب أن يكون هناك دقة في اختيار الوصف بين الرحلة أو السفر، وفي حين أن السفر كما يعرفه هو أحد مفرزات السياحة الحديثة بكل ما فيها من مدة قصيرة، وتلامس مسطح مع المكان والإنسان فيه، قد ترافقها صور فوتوغرافية كثيرة ملتقطة هنا وهناك بأحدث الكاميرات، وبشكل عشوائي يغيب معناه، بينما يذهب مفهوم «الرحلة» إلى ما هو أبعد من ذلك، فالرحلة هي بناء أكثر من كونها مشاهدة مجردة للمكان، هي بناء على المشهد بالكلمة، بالتأمل، باستخراج وجهة نظر خاصة مبنية على التراكمات المعرفية الخاصة بالشخص، توازي المكان ومشاهده الممتدة على مد البصر، إنها تغير جذري يضيف إلى قائمة متغيراتنا الحياتية، ففي الرحلة أشاهد وأبني على ما أشاهد بأن أخرج بحفر جديد في الذات، بزاوية جديدة من وجهات النطر قد لا أكون قد ظننت أنني قد أعتقد بها سابقاً، وبالمثل فإن العودة من الرحلة تعني أن أحمل المكان في داخلي حتى بعد ابتعادي عنه جغرافياً، أن أحمله لألحظ كيف باتت ردود أفعالي والكلمات والتأملات، إنها صور إنسانية أشد رسوخاً من الصور الفوتوغرافية العابرة، التي يلتقطها كثرٌ منا كإثبات وجود فيزيائي في المكان، بعيداً عن الإدراك الروحي له. يشير «مارك أوجيه» في خضم تأمله أيضاً إلى فكرة مخيفة بعض الشيء حول مفهوم اللقاء، لقاء الآخر المختلف، فكم عدد أولئك الذين نستطيع أن نقول إننا التقيناهم بحسب مفهوم «أوجيه» المبني والمرتبط بعنصرين متلازمين الأخذ والمنح، أو التغيّر والتغيير بدل التلقي، أو المنح السلبي الخالي من أي قيمة إنسانية مضافة مهما بلغ حجمها في تلك الرحلة المفترضة التي نعيشها في برهتنا الزمنية تلك؟! ولعلي هنا آخذ السؤال ذاته لأسقطه على رحلة الحياة الكبرى التي نعبرها جميعنا، فكم هو عدد أولئك الذين نستطيع أن نقول إننا التقيناهم فعلاً؟! [email protected]