2018-08-07
عندما صنعت دائرتي الكهربائية في سنة دراسة الهندسة الأولى، كانت دائرة كهربائية لجهاز إنذار، يومها كنا أمام خيارين، أن نصنع الدائرة ليلتقط الحساس الأمر فيصدر صوتاً أو أن ينتهي الأمر بوميض مصابيح ال إي دي الصغيرة، وكنت دائماً أفضل وميض المصابيح، لم أكن أربط خيوطاً على التوالي بالمعنى التقليدي للكلمة لكي أصل إلى المحصلة، فحتى في عالم الهندسة المرتب يعتبر هذا الأمر سذاجة فادحة، كنت أصنع خارطتي وأوزع الروابط وأفشل مرة بعد مرة، لم يكن المصباح يضيء أبداً، انتبهت لاحقاً أنني أصل خيطين في منتصف الدائرة في غير موضعهما مما عطل استشعار حساس الإنذار للحرارة واستجابة المصباح، يومها كان البرفيسور المشرف بالمعمل، في لحظة الاكتشاف الخاصة بي يتابع إطلاقاً فضائياً لأحد برامج ناسا، ما زلت أذكر أنه كان يستخدم بروجكتر المعمل لهذا العرض. «لو أن الحياة سارت بشكل مختلف لكنت رائد فضاء الآن»، يقول البرفيسور في دمدمة ساخرة لكأنه يستعرض محطات حياته كاملة، في اللحظة ذاتها الذي أضاء مصباحي، لأدون في دفتر ملاحظات المعمل الخاص بي موضع الخلل، ولأدون أيضاً في مكان ما من ذاكرتي الآخذة بالتشكل أن الحكاية في المحصلة واحدة لكن المراحل لا ترتبط ببعضها في متوالية ساذجة.
لعل الأمر سيكون أكثر جدوى لو تناولنا حيواتنا باعتبارها خيطاً سردياً ممتداً، ما يعني أن كل مرحلة فيها مرتبطة بأخرى، لا على التوالي بالضرورة كما في بنية السرد التقليدي، فقد ترتبط المرحلة أ بالمرحلة ج بدلاً من ب وهكذا، ويكون من الممتع بين وقت وآخر، كلما امتلكت النضج الكافي والمقدرة على الخروج من ذاتك أن ترى كيف ترتبط المراحل المتنوعة ببعضها، لا شي عشوائي .. إنها فقط ليست جلية بسذاجة، لكي لا تفقد الحياة رونقها الأزلي المبني في كثيره على الغموض.
وبالحديث عن رؤية الذات قد يرى البعض أن طريق الوصول يصبح ممتعاً أكثر كلما تلاشى جزء من الذات حتى تذوب أخيراً لتسمح للعالم بأن يعبر من خلالك، لتتحول أنت إلى الطريق الراسخ، ولكنني لطالما أحببت أن أرى أن طريق الوصول هو مراوحات دائماً بين داخل ذاتك وخارجها كلما نضجت امتلكت شجاعة الخروج لترى، لتفهم فتعدل من الوجهة، فتتخلى، فتنسى فتبدأ من جديد، إن في ذلك الإدراك اتصالاً بفكرة خيط الحياة السردي، ومقدرة أكبر على فهم المراحل وتحليلها للتعلم، حتى لا تتكرر سذاجة السقوط، مرة بعد أخرى.
[email protected]