الجمعة - 27 ديسمبر 2024
الجمعة - 27 ديسمبر 2024

ترفيه غائب!

قبل نحو 400 عام من الآن، كان الناس في منطقة ستراتفورد ببريطانيا وبعد يوم عمل طويل يتجمعون حول خشبة المسرح في الهواء الطلق فيعيشون قصصاً تاريخية تحرك مشاعرهم حسب العرض، فتارة تضحكهم الكوميديا وتبهجهم، وتارة أخرى تبكيهم التراجيديا لما تقدمه من مآسي وتلامس ما يختلج أنفسهم من أحاسيس حزن أو غضب أو رومانسية عبر أعمال أصبحت خالدة مع مرور الزمن لأشهر كتاب المسرح «وليام شكسبير». في ذلك الزمن كان المسرح أداة الترفيه الأبرز في كل وقت وفِي كل ظرف، واليوم أين نحن من أبوالفنون وماهو موقعه بين جل أنماط التسلية المقدمة وخاصة في فصل كفصل الصيف الذي يبحث فيه الجميع عن طرق لقضاء عطلة مختلفة، فينحصر الخيار بين السفر أو التنقل وسط المراكز التجارية والمقاهي وبعض الحدائق المائية ليكون الترويح «آنيٌ» لا«مستدام». وبالنظر إلى شتى أنواع السياحة من حولنا تكاد تطل علينا السياحة الثقافية باستحياء سواء كانت تلك المقدمة في المتاحف أو على خشبات المسارح. فعندما نزور عاصمة كباريس ونتجه بالقطار نحو «ديزني لاند» تكتظ مسارحها بالعروض التي يستمتع فيها الكبار قبل الصغار وتزدحم طرقاتها بمئات الجنسيات المتنوعة المشارب، لتجمعهم لغة واحدة وهي «لغة المسرح». وهنا كم من الأفواج السياحية التي تتوافد إلينا من مختلف الأقطار،وكم من مواطنين ومقيمين يبحثون عن هذا النوع من الترفيه الذي يغيب بشكل واضح عن أجندات هيئات السياحة والثقافة، أو ليس فصل الصيف يجب أن يكون فيه النشاط المسرحي في أوج ألقه؟! تساؤلات كثيرة تدور حول سبب غياب المسرح المحلي وعوامل قلة إقبال الجمهور عليه، لتتعدد الدوافع بين حاجة المسرح إلى كتاب يفهمون احتياجات المجتمع ويوظفونها في معالجة درامية جاذبة، وممثلين يرتمون في أحضان العمل الفني حباً في هذه الخشبة لا الشهرة والمادة؟ رغم أن الدعم المادي مهم لضمان الاستمرار لفئة ترى في المسرح معيلها الوحيد. وقد يقول البعض إن نمط الحياة قد أثر في خيارات الناس الترفيهية مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي والانسياق وراء مايروجه المؤثرون، لتكون المطاعم على رأس القائمة، فتُملئ البطون وتبقى العقول خاوية تأكلها الجيف، ولعل لنا مثل يضرب في الكويت الشقيقة التي أثبت أبناؤها العكس مع ارتباطهم الوثيق بالمسرح مهما تنوعت وسائل الترفيه. ويكفينا أن قيادتنا الرشيدة لا تألو جهداً في سبيل دعم المسرح والمسرحيين ونشر الذائقة الفنية بين الشرائح كافة، ففي الشارقة وحدها هناك ما يربو على تسعة مهرجانات مسرحية على مدار العام، وكانت القوافل الثقافية لوزارة الثقافة وتنمية المجتمع تجوب مختلف الإمارات لترفع الحس الفني لدى الجمهور. إذاً، نحن بحاجة إلى خلق ثقافة مجتمعية واسعة لننقذ فيها الوضع المسرحي، فهو الفن الذي يبقى ما بقيت الحياة. [email protected]