2018-07-17
هل فكرت يوماً بعدد الأشخاص حولك الذين يوجهون لك «لماذا؟» بالمعنى الحقيقي لا كمجرد رد فعل استنكاري بارد معتاد؟، «لماذا» التي يتركونها لك دون أن ينتظروا منك جواباً فعلياً يشبع فضولهم العابر، «لماذا» بالذهاب الذي يعيدك إلى جذر الرغبة فيك، لتعيد تأملها كأنها تشع للمرة الأولى.
أظن أن هذا التساؤل قد دار ببالي نوعاً ما وأنا أبدأ بآخر عمل سردي كتبه الفرنسي «ألبير كامو» قبل وفاته بأربع سنوات، وأذكر أنني في حينها وأنا أطلع على الربع الأول من العمل، فكرت بـ «لماذا؟» تلك، فالعمل الذي يحمل عنوان «السقوط» أتى على هيئة مونولج طويل امتد إلى 92 صفحة، يتحدث فيها المحامي بشكل متواصل عن حياته كاملة لرفيق يشير إليه من ضمن الحديث الذي يوجهه له، دون أن يتبدى لنا نحن كقراء صوت ذلك الشخص الآخر.
عموماً يسرد المحامي بانهمار شديد أفكاره وهواجسه وتأملاته ومواقف كبرى في حياته منذ طفولته مروراً بشبابه الناجح وصولاً إلى اختياره الخاص برفض كل ما شكل له ثوابت في حياته ليبدأ التهاوي، في بداية العمل والبطل يتهيأ لبداية الرواية، يوجه حديثه للشخصية الأخرى قائلاً «لماذا؟» هذا أمر لن أجيب عنه الآن ليشبع فضولاً طارئاً».
ومن هنا جاء مفتاح التأمل في كلمة الـ «لماذا» .. خصوصاً وأنا أنهي العمل دون إجابة واضحة من الراوي .. متسائلاً هنا عن ضرورة أن يكون له جوابٌ مشبعٌ للفضول فعلاً .. لم يعبأ هو بلماذا خاصتنا لأنها لن تعيده إلى تأمل الدافع الحقيقي الذي بنى عليه عمل «السقوط» لقد أراد لفضولنا أن يستمر متقداً، لقد أراد للسؤال أن يتنامى، بذات الطريقة التي تجعلنا نتوقف لنرى ماهية ما يوجه إلينا من أسئلة من الآخرين حول ذواتنا، تلك الأسئلة التي تريد عبارات فورية جازمة.
إذاً دائماً هناك من يوجه لك «لماذا؟» وهو لا يرى من خلال السؤال إلا نفسه، إجابة تشبع فضولاً عابراً لديه تجاه تصرف من تصرفاتك، وهناك من يستخدمها كأداة استنكار، رصاصة يطلقها تجاهك لتعيق، وهناك النوع الأخير، الذي يحاول من خلالها أن يضيء الطريق في المنتصف بينك وبينه؛ يرى ويريك، ولعله بالمعنى الأعمق يحاول أن يجعلك ترى، هو لا ينتظر إجابة، هو فقط يجعلك تذهب إلى العمق من ذاتك للتأمل في تلك اللماذا، في بعد التصرف خلفها وما ينطوي عليه من عوالم يجعلنا نضع عدداً مهماً من العدسات الضمنية المكبرة بين السؤال والإجابة.
[email protected]