2018-07-13
من غرائب الإنسان شعوره بالملل، خصوصاً حين يكون ملله من أمر كان يسعده ويشعر فيه ومعه باللذة، وبعد فترة يفقد اهتمامه ويتركه. فهل الملل نتيجة الإشباع الزائد عن الحاجة وصولاً إلى التخمة؟ لذا تتبدل مشاعره من القبول إلى الرفض لأنه بات مرتبطاً بإزعاج التشبع!
وبالتالي ستكون كمية التعاطي والتفاعل التي تسبب الملل مختلفة بين البشر، خاصة في العلاقات الإنسانية، ولا يمكن قياسها، وسوف يعاني الطرف الثاني من الفقد والترك والخذلان والإهمال لأن الطرف الآخر سبقه إلى مرحلة الملل، فمنهم من وجد الحل في بخل العطاء خوفاً من تسرب الملل إلى العلاقة، ومنهم من يبادر إلى النهاية وقطع العلاقة في أوجها خشية من الملل كأنه حتمي ولا مناص منه، فيبقى قلبه محطة انتظار بين استقبال مسافر وتوديعه، ومنهم من قطع الأمل من العلاقات واكتفى من وجع الترك في منتصف الطريق، ومنهم من أبقى على العلاقة وهو يبحث سراً عن جذوة في مكان ما تشعله من جديد.
أما الأطفال، فإن الملل عندهم شبه منعدم، إنهم يستمتعون ويخلقون المتعة، وفي حركة مستمرة، لا يتوقفون إلا مجبرين أو مرهقين، ولكن عند الكبار الوضع مختلف تماماً رغم أنهم مروا بمرحلة الطفولة المكتظة بالمتعة التي لا تنقطع، لماذا؟
أهو فارق الخبرة والتجارب؟ وهل المعرفة طريق للبؤس وفقد الاهتمام! أم أن الإنسان ضاع في الطريق وأضاع رغباته. يبدو لي أن الفرق بين الطفل والكبير هو أن الطفل يستمتع بالتجربة لأنه يعيشها بتفاصيلها دون كدر الخوف من الفقد، ولا تتدخل خبراته السابقة وتعيق وصوله إلى لذته، لذا هو يمارسها يوماً بعد يوم دون كلل أو ملل.
هل يحتاج الكبير إلى جديد يوقظ رغباته أم أنه يحتاج لفهم العوائق التي تسربت إليه دون أن يلاحظها وباتت تحبط محاولاته لإشعالها من جديد.
أعتقد أن الملل إن لم يكن نتيجة اختيار خاطئ أو افتتان عابث، فإنه علة مصدرها عوائق عتيقة زُرعت في أعماقك، وشكلت تعاطيك مع الآخر وفصلتك عنه، وبنت حولك أسواراً من الخوف وانعدام الثقة به أو بنفسك.
ولو كان الملل متعلقاً بالمدة لمللت من نفسك التي ولدت بها وتموت معها.
[email protected]