الخميس - 26 ديسمبر 2024
الخميس - 26 ديسمبر 2024

المستطيل

للمدن في أوقات حداثتها المفرطة.. رتم سريع يجعل علاقتنا بالأمكنة تمضي على مضض .. إننا لا نمنح للمكان أرواحنا بقدر ما يمنحنا هو كلية وجوده، لا نحاول أن نبني معه حوار الذاكرة المستديمة العميقة، الحوار الذي يبدأ بسؤال، دائما بسؤال، لماذا أنا هنا في هذه اللحظة، ما المعنى الإنساني الكامن خلف النقطة الراسخة التي أقف عليها؟ كيف لي أن أشاهد بمتعة ودقة تشكل الذاكرة القوية النكهة وكيف لي أن أحميها بداخلي ببناء علاقة عميقة ومستديمة لا تكسرها فوضى السرعة والحداثة وتبدل الوجوه والأسماء السريع؟ لكن قبل ذلك، هل أقدامنا في حداثتها راسخةٌ بقدر رسوخ المكان؟ في عالم المستطيل الأدبي للشاعر الجميل أحمد العسم في إمارة رأس الخيمة، صورة جمالية وإنسانية مكثفة حول المكان، صناعته التي تجعل لكل تفصيل فيه إجابة على أسئلة المعنى والحاسة والذاكرة، بدءاً من الصور، جلها لشعراء يحمل تجاه كل واحد منهم رابطا قائما على بعدي الحكاية والقصيدة لصاحب المكان الذي يشرح لك تلك الأبعاد جاعلا إياك تشربها على مهل وأنت تهبط بروحك بعد الجسد قبل أن ينتقل بك ليشرح لك تفاصيل المكتبة الأولى بكتبها التي تتجرد من قالبها المعرفي الصرف لتصنع حكايتها الخاصة معها وأنت تتأمل في العناوين والأسماء وتسقط تقاطعك السابق بها على وقت اللقاء الثاني في لحظة المستطيل، انتقالاً إلى المكتبة الثانية حيث كتب الشاعر الخاصة التي يدعوك لتنهل منها ما شئت، ودون توجس تبدأ بتمرير أصابعك على الأغلفة اللمسة التي نفتقدها كثيراً في علاقتنا بأمكنة اليوم، وهي تمر أمامنا بصورتها البصرية البراقة، دون أن نمرر عليها يد المتشبث بها لأجل علاقة طويلة أبعد من عبور منسي. يقرأ العسم القصيدة في المستطيل كجزء من روح المكان ويمنحك أنت يا أيها العابر لحظة أخرى أو لحظات لتلتقط فيها أنفاسك، لتتشرب النبرة التي تتجلى شعراً و وأنت مغمور بروائح الترحاب الإماراتي الأصيل قهوة وشاياً وما صاحبهما، يتسلل إليك الطعم، وأنت تشعر بروحك ترسخ أقدامها، ترى بدهشة وسعادة الذاكرة وهي تتشكل أمامك قصيدة بعد أخرى وصورة إلى جانب النبرة والرائحة.. تخرج بخطوة متأنية، وأنت محمّلٌ بمهارة جديدة للتعامل مع المكان، للاحتفاء به مهما كانت أبعاده الجغرافية، لأنك بذلك تصنع الذاكرة الحقيقة وتحمي روحك من التفسخ.
والآن، كم مكاناً تستطيع القول إنك تفاعلت معه في سرعة حياتك بالطريقة ذاتها، كم مكاناً سيدوم فيك وإن غاب عن المدى الجغرافي؟
 مهندسة وقاصة
[email protected]