2018-06-19
في رواية الفردوس على الناصية الأخرى، يرسم يوسا حياة فنان قرر العيش خارج القوانين المعتمدة في زمنه، (بول غوغان) الذي سلك مسلكاً مستقلاً خارج مجتمع متحضر، لأن كل ما في الوسط شيء عادي وهذا كئيب وبارد لا تحتمله حساسية الفنان الموهوب، ولأن المجتمع حوله لم يتقبل أعماله المتسمة بالغرابة في اللون والموضوع، فقد تفاقمت مشاعر الوحدة أمام روحه التائهة المفكرة بالفجوة المتسعة أمامها.
لذلك رحل إلى المناطق المدارية في تاهيتي، وفي ظنه أنه لن يخسر شيئاً طالما لا يملك شيئاً في دياره، كان واثقاً بأن فرنسا وعموم أوروبا المتحضرة لم تعد مكانه، وإنما ينتمي إلى الكائنات الغامضة في الأماكن التي لم تعبث بها المدنية الحديثة، وتغير في ملامحها وتفرض قوانينها على الفنانين.
ومن مدينة إلى أخرى ومن قرية إلى أخرى، راح يتنقل منجرفاً وراء سحر الطبيعة البكر، موغلاً في أعماق الغابات البدائية، راسماً بألوانه الغنية والغامضة لغز الحياة البشرية، باحثاً بين الوجوه والمعتقدات القديمة عن شرارة الحماس التي ستلهب الروح وتدفعه للاستمرار.
هكذا تتبدى موهبة فنان حقيقي، تدفعه قوة داخلية، وإن كان بدائياً متوحشاً في نظر قومه.
[email protected]