الجمعة - 27 ديسمبر 2024
الجمعة - 27 ديسمبر 2024

الصورة ببُعدها الإنساني

للسنة الثانية على التوالي، تختار المصورة الإماراتية علا اللوز أن تجعل لحظات الإفطار الرمضانية مختلفة قدر الإمكان .. وهي تحمل عدستها مارة بين موائد الإفطار الرمضانية اليومية لتوثق تلك اللحظات في صور .. إلى جانب أيام أخرى تخصصها لمجموعات توثق تلك الموائد بما فيها من شخوص مقابل المشاركة في إعداد تلك الموائد للصائمين الذين يقصدون تلك الموائد بشكل يومي لكي يحصل تمازج إنساني حقيقي. العام الماضي، وهي تباشر عادتها هذه للمرة الأولى، تبادر إلى أذهان الكثير ربما سؤال عن مدى اختلاف هذه الصور الملتقطة عن غيرها من الصور التي توثقها المؤسسات والمجموعات المتنوعة لموائد إفطارها اليومية أو أنشطتها المتعلقة بذلك، والحقيقة أن أحداً لن يستطيع أن يدرك الفارق حتى يشارك علا في جولة من تلك الجولات، ليفهم أنها لا توثق فكرة الموائد وما تحمله من أفكار قد أصبحت بديهية حول التسامح والكرم والإحسان فقط، بل إنها تتجاوز ذلك لتحاول أن توثق الإنسان بشكل عفوي. هي تحوله من خلال ذلك إلى الحدث نفسه .. فالموائد فيها كثيرة ومتشابهة نوعاً ما في كل مناطق الدولة لكن الوجوه والحكايات فيها هي التي تختلف .. وعلى الرغم من أن تلك السحنات السمراء المكدودة قد تبدو لمن يتأمل من بعيد أنها تتشارك في تفاصيل حكاياتها الرئيسة حول واقع الحياة والعمل هنا، إلا إن تسليط الضوء على هذه الوجوه بشكل فردي يصنع الفارق، يمنحه اسماً خاصاً وحكاية له وحده وتجعل تفاعلنا الإنساني معه .. تفاعل الوجه للوجه .. بين صاحب الحكاية ومتلقيها في مساحة متوازية لا يعلو فيها أحدهما على الآخر. قد يبدو للمتأمل بشكل سطحي أننا نعيش زمناً من العزلة يصنع فيه كل شخص عالمه كما يرغب، وسط زحام الحياة ومشاغلها، لكننا لو عمقنا التأمل لوجدنا أننا في داخل تلك العزلة نعيش هناك مجاميع كبيرة من الصور والأفكار النمطية التي نكونها نحن عن الآخر باعتباره جزءاً من مجموعة. في الوقت الذي يرانا فيه الآخر بصورة منمطة أخرى باعتبارنا جزءاً من مجموعة مقابلة، إلى أن نخرج فعلياً من تلك الصناديق المنمطة لنقابل الآخر وجهاً لوجه، وهذا ما تفعله رحلات توثيق تفاصيل عادات الإفطار الجماعية .. إنها تتجاوز موضوعها وحدثها، لتخلق شكلاً من أشكال الحوار الفني الإنساني، الذي تؤكد على حدوثه تلك الصور المليئة بتفاصيل بشر الموائد وحكاياتهم، حكايات يصنعها تجاور التفاصيل العفوية والصور والحوارات التي تخلق الألفة والمعرفة الواقعية. [email protected]