2018-05-27
ما من شهر تهبّ نفحة طيبه على الأنفس قبل الأنف قبل أن يأتي بليالٍ، سوى رمضان، وما من شهر تدرك بشرى قدومه بفرح وأمانٍ وطمأنينة قبل أن يقبل بليلة سوى رمضان، وما من شهر تشعر بملائكية قلبك وأفعالك الحسنة فيه إلا رمضان.
فمن أي تربة وماء خلقت يا أيها العزيز الكريم؟ ومن أي ساعات عجنت دقائقك يا أيها الطيّب المطيّب؟ أمن نور سُطّرت أبجديةُ وجودك، أم من زعفران الجنّة لوّن ثرى طريقك؟ أيها الحنان الباقي في القلوب على الرغم من تباعد شهور زيارته، وطول سنوات وقوفنا على أعتابه وعتبات انتظاره، أيها الأمان المستطيل ثلاثين ليلة دون ارتباك، أيها الأبُ العطوف، والأمّ الرؤوم، أيها الحبيب الذي نخشى عليه الغياب على الرغم من علمنا أن لا بقاء أطول له، ونشتاق إليه وننتظره على الرغم من أننا لا نعلم إن كان لقاؤه ممكناً أم لا.
يا من لستَ مائدةً نجتمع عليها لنروي عطش الجسد، ونلتهم ما لذّ للنفس من أصناف أطعمة الدنيا، لستَ امتناعاً عمّا تشتهيه البطون والعيون والأسماع، يا أنتَ يا ارتقاء الروحِ وتجلّيها في وادي النقاء والقدس، يا أنت يا نارها التي تولدُ مرّةً أخرى من رمادها، فتعود كما لو أنّ الحياة لم تمسسها بسوء، ولم تمسس الحياةَ بضرّ، يا أنت يا انتشاءها طرباً بأناشيد الملكوت، مسبّحة ومهلّلة وهي تصعد في سماوات الله المستوي على عرشه، لتخرّ ساجدة عند سدرة التوبة، بدمع ينبع من أنهار الجنة، ويلمع بانعكاس لؤلؤها عليه، وعودتها حامدة عابدة لتسكن مسجد الجسد، وهي تنزلُ هاوية للأرض لتلامس بجبهتها موضعَ الاقتراب من الأعلى، في دجاك المنير، وضحاكَ المستنير.
أهلاً بك يا حبيبي، ومرحباً بنا في أحضانك الدافئة، أهلاً بنهارك، بلياليك، بقبابك، بأصواتنا وهي تحيا بالتلاوة، وتسكنُ بالذكر.
أهلاً بكَ يا طبطبة الحنان والأمان على القلوب التي روّعتها الدنيا، وأشقتها الغفلة، وأمرضتها الحوادث.
رمضان يا أملَ النفوسِ .. الظامئاتِ إلى السلامْ
يا شهرُ بل يا نهرُ ينهلُ .. من عذوبته الأنامْ
طافت بك الأرواح .. سابحة كأسراب الحمامْ
* محمد السنوسي
[email protected]