برغم أهمية المنتج الثقافي وتأثيره في تواصل الشعوب وتحسين صورة الدُول، إلا أنه يُعامل باعتباره محضَ ترف، ما يجعل الثقافة والفنون أخيرةً في قائمة الاهتمام العربية. هكذا تظن بعض الحكومات والشعوب، فينعكس هذا الظن سلباً على نظرة المجتمعات للمثقفين ونتاجهم، وبالتالي تقييم العالم للمنتَج العربي. هذه نتيجة حتمية لمشكلة أساسٍ تتمثل في غياب صناعة الثقافة، وإبقائها في دائرة الرفاهية لا الحاجة. قد يبدو تكرار الفكرة ضرباً من الأمل، لكن الفنون لا تتطوّر وتستقطب الجماهير ما لم تتحول إلى صناعة وتغادر موضع استجداء الدعم والتمويل، وهي عملية لا بد أن تنطلق باستراتيجيات حكومية تمهّد لها الطريق أولاً، قبل أن تُرفع عنها الرعاية وتصبح منظومة إنتاج مستقلة. يعني ذلك إنشاء مؤسسات ربحية متخصصة هدفها إنتاج الثقافة، لا دعمها ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية. المجالات شاسعة، وليس هذا موضع حصرها، لكن الاهتداء بالنماذج العالمية حلٌ، وتعديلها ممكن بما يتوافق، سوقاً ومجتمعاً، مع المتطلبات المحلية لكل منطقة.
أرضٌ استثمارية لا تزال بِكراً وخصبة، قد يعيبها عدم دقة المعايير وغياب تجارب مقاربة يمكن الاستناد إليها، إلى جانب بطء المردود الماديّ قياساً إلى مشاريع أكثر وضوحاً، لكنّ الحصة الأكبر من هذا السوق سيحصدها من يبادر ويصل أولاً. يُنشَر هذا المقال قبل يومين من إعلان الفائز بالجائزة الأهم والأكبر للرواية العربية «البوكر» في أبوظبي، التي يُفتتح معرضها الدولي للكتاب بعد أيام أيضاً، ولنا أن نتساءل: هل كانت هذه المحافل الثقافية لتستمر لولا الإيمان الحكومي بأهمية الثقافة؟ m.quteineh@alroeya.ae