هاتفك الذكي يسمى مجازاً (هاتف)، بينما هو أقرب لأن يكون ذاكرتك وحتى عقلك.. ماضيك.. حاضرك ومستقبلك أيضاً.. يختلف تماماً عن ذلك الهاتف الذي تسمع من خلاله أصوات الأصدقاء والأحباب والأهل.هذا الصباح مع أول يوم من أيام السنة الهجرية الجديدة 1440هـ قرر (الذكي) أن يأخذ إجازة بطريقته الخاصة، ويحجب عني كل شيء.. حرفياً (كل شيء) أمي.. أقاربي.. صديقاتي.. أحبائي.. عملي.. هواياتي.. ثرثرتي.. أسهمي.. أغاني مفضلة لدي.. صوراً جميلة أحتفظ بها.. تطبيقات تسليني.. تطبيقات تساعدني في عملي.. حتى الآله الحاسبة والساعة الدقيقة والبوصلة.. إضافة إلى مواعيدي.. حجوزاتي وتواريخها.. كمٌّ هائل من الأشياء والمعلومات حجبها في لحظة.. في طرفة عين اختفى كل ذلك.. فلم أستطع أن أسمع أغنية لفيرووز صباحاً، لم أستطع أن أحوّل مبلغاً من المال لأحدهم، لم أستطع أن أجدد إقامة السائق، لم أستطع أن أطلب لي فطوراً سريعاً من خلال أحد تطبيقات التوصيل، ثم اكتشفت الطامة الكبرى.. أنني لا أحفظ ولا رقماً.. حتى رقم والدتي!تذكرت رواية العمى لجوزيه سارماغوا التي فازت بجائزة نوبل، وأنا أتخبط.. شعرت بمرارة العمى.. وبهوة من الضياع. شعرت لساعات وساعات بأنني سجينة.. سجينة عدم معرفة الوصول إلى ما أريد.. اعتصرت ذاكرتي وبدأت أجمع المعلومات مع هاتف جديد وشريحة جديدة كانا مركونين لدي.نبشت في الذاكرة فأكتشفت أني ما زلت أحفظ رقم بيتنا منذ أيام الصغر.. ومعه بدأت سلسلة البحث والتواصل.. فكانت تأتيني الأرقام.. رقماً تلو رقم إلى أن وصلت إلى أن يكون هاتفي مجرد هاتف.. بعدها كان علي البحث عن الرقم السري لأبل ستور الخاص بي، والذي كنت قد نسيته، فخلف أبواب هذا المتجر كل تطبيقاتي.. وكل ذكريات وحياتي! فكل سنة يا أبل ستور وأنت بخير.