ري
في داخل الإنسان مخلوق ليس ظريفاً إطلاقاً، يخرج بين الحين والحين ليمارس الأستاذية على الآخرين، من دون سؤال، أو دعوة، يبدأ في النصح، ومعاكسة ما يقوله الآخر، ليس لأنه أعلم منه، ولكن هي رغبة جامحة تسكن الإنسان تحديداً، إذ لن ترى مخلوقاً غيره يمارس النصح والإرشاد.وإذا أمعنت النظر فيمن حولك، وحتى في نفسك، ستجد الأستاذية حاضرة، وتفرض نفسها في الحوار والتعاطي الإنساني، فلماذا يفعل ذلك الكثير من الناس؟في ظني أن الإنسان لديه اعتقاد عميق بأن ما تعوّد عليه هو الصحيح، كأن الأمور لا يمكن فعلها إلا بالطريقة التي يعرفها هو، وإذا حدثت بطريقة مختلفة عما اعتاد عليه، فإنه سيراها خطأ، لأنه تبرمج خلال حياته على قاعدة إن لم يكن صحيحاً فهو خاطئ، وهي قاعدة عبثية، ومن تبناها واخترعها غاية في الغرور والغباء، وهو مخترع التبعية والانقياد.والحقيقة أن أغلب الأمور يمكن فعلها بأكثر من طريقة، وكل طريقة تناسب رغبات مختلفة، وهكذا، وهذا هو جوهر الفعل في الطبيعة، لذا يكون الاختلاف جمالاً وعمقاً يخشاه بنو البشر، لأن الاختلاف يعني حرية الاختيار، وحرية التصرف، بينما التشابه هو الانقياد والسير خلف خطوات سابقة، وليس اقتحام طرق جديدة وبكر لم يمرر بها أحد من قبل.لذا فمن الطبيعي أن يصل الإنسان إلى مرحلة التخلف، والحرب، والمقاومة الشرسة، حين تكون عاداته التي تعودها محور النقاش، أو تحت تهديد الاختلاف، إذ إنه متعلق بعاداته حد الجنون الذي يأخذه بعيداً، ويظن بالمختلف سوءاً لمجرد أنه لا يفعل أموره الاعتيادية كما يفعلها هو.القاعدة المذكورة نالت من الأغلبية، وباتت تُمارسها تلقائياً من دون تفكير، حتى في علاقاتهم الأقرب لقلوبهم، ولو تحرروا منها، لكانت علاقاتهم أكثر متانة، ومفعمة باحترام رغبات الآخر مهما بدت سطحية أو ساذجة، لأنه سيعرف أنها مصدر سعادة للآخر، وأنه يفعلها بطريقة تختلف عن طريقته، هذا كل ما في الأمر ببساطة.ولو تخلص منها لجرب مجالات كُثراً من الاستمتاع، والمعرفة، والثقافة، ولدخل عوالم أخرى لم يحلم بها يوماً ما، كل ذلك لأنه علم أن للمتعة والمعارف طرقاً لا تنتهي من الاختلاف والتباين، ليس فيها خطأ ولا صحيح.a.fahad@alroeya.com