قبل انتقاد عزوف المواطن العربي عن القراءة وتجاهله للوسيلة الأولى والأساسية لنهضة أي أمة، علينا أن نتساءل كم ينتج مفكرو وعلماء العالم العربي من عناوين سنوياً حتى نقول إنهم يقومون بدورهم على أكمل وجه ونلقي الكرة في ملعب القارئ؟إن الأرقام الشديد للأسف صادمة، فناهيك عن عدم وجود أي جهة تصدر إحصائية دقيقة عن حجم النشر في الوطن العربي، إلا أنني استطعت الوصول إلى رقم تقريبي يمكن أن يصيب أي شخص ما زال لديه أمل، حيث تقول بعض الأرقام إن إجمالي ما تنتجه كل بلدان العالم العربي في السنة من عناوين جديدة لا يتجاوز 17 ألف عنوان بينها 2500 عنوان مترجم! ويمكن اعتبار الكتاب ناجح إذا ما استطاع أن يوزع ألف نسخة فقط! أما إذا وصل إلى ثلاثة آلاف نسخة فقد حقق نجاحاً ساحقا!ولا شك أننا سنشعر بنوع من الإحباط من هذا الواقع في أمة قارب عدد سكانها على 400 مليون نسمة لا تنتج قريحتها الفكرية سوى هذا العدد الضئيل للغاية من الكتب بشكل سنوي!لكن، هذه الأرقام لم تأت من فراغ، بل كانت نتاج عوامل عديدة تضافرت جميعا للقضاء على الرغبة العربية في التأليف والإنتاج الفكري، كان أخطرها هو أن التأليف لم يعد وسيلة مضمونة لكسب العيش، وهي نقطة خطرة يجب النظر إليها بجدية، فعندما أراد الخليفة المأمون صناعة حركة قوية للتأليف والترجمة في الخلافة العباسية قرر أن يعين العلماء والمترجمين على التفرغ ورتب لهم أقواتهم ومداخيل ثابتة تساعدهم على بناء مشروعهم الفكري، وهو ما ساهم في صناعة ثورة فكرية عربية إسلامية خالصة، ظلت شعوب أوروبا متأخرة عنها لقرون عدة.s.madani@alroeya.com