جاء في الأثر؛ أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأصحابه: تمنوا. فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله وأتصدق. وقال آخر: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجوهراً فأنفقه في سبيل الله وأتصدق. ثم قال عمر: تمنوا. فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين. فقال عمر: أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان!كانت لعمر رضي الله عنه؛ نظرة بعيدة تتجاوز الثروة «السطحية» المتمثلة في الأموال العينية؛ إلى مصادر سائر الثروات ومنبعها الذي لا ينضب. لقد تمنى أن يجد فيمن حوله رجالاً بمواصفات قيادية يعتمد عليهم في إدارة إمبراطوريته الناشئة والمتمددة. أدرك عمر أن الأموال مهما كانت مهمة لتمويل الفتوحات، لكنها لا تقوم بالفتح، ولن تقوم بإدارة الأمصار المفتوحة. أدرك عمر أن الثروة البشرية والقيادات الماهرة والمتفانية هي ضمان استمرار تدفق الأموال، وهي صمام أمان الدول واستدامة مؤسساتها.لست بحاجة إلى ذكر مناقب بن الجراح وبن جبل وسالم وبن اليمان فهم أشهر من نار على علم. لكن في اختيارات أمير المؤمنين دلائل على عبقريته، التي أدعو قرائي الأفاضل لمعرفة جوانب التميز لدى كل منهم حتى يدرك التفكير الشمولي لرجل دولة فذ كابن الخطاب رضي الله عنه.ويبدو أن منهجية تفكير عمر لم تأتِ من فراغ؛ فمن الموافقات اللطيفة معرفة أنه كان يوماً ما من ضمن «الكفاءات» التي تمناهم خير البشر وأعظم قادة الدنيا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين) ويقصد عمر بن الخطاب، وعمرو بن هشام (أبو جهل).وما كان يصلح لذاك الزمان البعيد؛ لا زال صالحاً الآن. وما كان هماً يشغل بال الأوائل؛ هو ذاته ما يشغل القيادات الفذة حالياً. ولعل من دلائل ذلك ما أتحفنا به رائد النهضة الإدارية في الدولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عندما غرد على حسابه في تويتر قبل أيام عن أكبر تحدياته كرجل دولة وإدارة قائلاً: «أصعب مهمة تواجهني هي البحث عن قادة لديهم إنكار للذات والأنا، ولديهم إيمان بالعمل من أجل الغير. هم قلة، لكنهم يصنعون التغيير، ويحركون الجبال. لأن همتهم تكون مختلفة، ودوافعهم تكون نبيلة، وإنجازاتهم تعطيهم دافعاً للتضحية المستمرة من أجل الوطن».فمن ينال شرف المهمة الأصعب؟a.alzarooni@alroeya.com