الكاتب الكندي مارشال مكلوهان له نظرية يقول فيها إن التقنية هي امتداد لأجسامنا، فالمطرقة مثلاً هي امتداد لليد، وتعطي اليد وظيفة لا يمكن لليد تحقيقها، وهكذا يمكن أن نقول مثلاً إن الدراجة الهوائية هي امتداد للرجلين، وتعطي المستخدم فرصة للذهاب لأماكن أبعد وبسرعة أكبر، ما قاله مارشال يبدو بديهياً، لكن أود أن تفكر في أثر التقنية في الفرد والمجتمع.
السيارة، مثلاً، هي امتداد للرجلين كذلك لكنها أكبر وأثقل من الدراجة الهوائية وأكثر سرعة وبفارق كبير، النتيجة أن السيارة خطر على المشاة وراكبي الدراجات الهوائية، الطرق قبل السيارات كانت للمشاة، وعندما انتشرت السيارات منع المشاة من المشي فيها إلا من أماكن محددة، وأصبحت هناك عقوبة لمن يقطع الشارع في غير الوقت والمكان المحدد، هكذا أخذت السيارة ما كان حقاً للمشاة، لكن هذا أمر مألوف اليوم إلى أن تختبر وترى ما يحدث عندما تقرر بلدية مدينة ما إغلاق بعض الشوارع لمدة أسبوع وتخصيصها للمشاة، ما يحدث أن الناس يخرجون للمشي بحرية أكبر ويستمتعون بهذه الفرصة النادرة للمشي بأمان، بعض المدن قررت بعد ذلك إغلاق بعض شوارعها طوال العام وإبقاءها للمشاة فقط.
ماذا عن الكاميرا؟ هي امتداد للعين وهي قادرة على تسجيل اللحظة وحفظها في ملف أو صورة محفوظ في جهاز رقمي أو طباعتها، وفي عالم اليوم يمكن للفرد أن يمتلك عيوناً كثيرة، فهناك عيون للسيارات تراقب الطريق وتعطي السائق فرصة لتجنب الحوادث، وهناك عين وأكثر في الهواتف الذكية، وهناك عيون للمراقبة يضعها البعض داخل وخارج المنزل، ويمكنه من خلال الهاتف الذكي رؤية ما يحدث، وترسل له الكاميرات تنبيهات في حال وجود حركة مفاجأة.
على مستوى المدن هناك الآن مدن تغطى بكاميرات المراقبة من كل نوع، كاميرات لمراقبة المرور والسيارات، ويمكنها تتبع السيارات أينما ذهبت، كاميرات لمراقبة الأماكن والمؤسسات العامة، كاميرات تضعها مؤسسات خاصة، وقد رأيت في محل صغير ما يقرب من اثنتي عشرة كاميرا، وأخبرني البائع بأن هناك المزيد في الداخل، وكثير من الكاميرات الحديثة تعمل بالتعاون مع حاسوب يمكنه التعرف على الوجوه، ويحفظ البيانات ويخزن الصور ومقاطع الفيديو، ويمكن لشبكة كاميرات أن تتابع الناس وتعرف أين ذهبوا.
هذه الشبكة من الكاميرات هي امتداد لمن؟ وما أثرها وأهدافها؟ حتى الأهداف السامية والنبيلة قد تصل بنتائج وخيمة، عندما تعطي التقنية الفرد أو المؤسسة قوة، فلا بد من مراقبة من يستخدم القوة حتى لا يستغلها لأغراض سلبية.
a.muhairi@alroeya.com