*اليوم، تبدو أكثر يقيناً من ذي قبل بأن البشر يُهيؤون ذاتياً لمواجهة أقدارهم، لأداء أدوارهم الصعبة في الحياة، لذلك هي اليوم أكثر استسلاماً لقدرها وأكثر تصالحاً مع ذاتها، لأنها باتت أكثر وعياً بخيبتها وبحقيقة وجعها، وأكثر معرفة بأدوارها..
_في البكاء تطهر وخلاص أيضاً..
استثارت عبارة قرأتها سقوط دمعة ثقيلة معلقة ما بين قلبها ومحجر عينيها، عاندتها بجموح اندفاعها لتستقر على صفحة خدها الرقيق، كانت تقرأ رواية «المخطوط القرمزي» للروائي الإسباني أنطونيو غالا، دهشت كيف التقت تلك العبارات بوجعها؟ كيف استهدت إلى طريقها لتهديها تلك الغيمات من المطر وتنتشلها من كل هذا الجفاف؟ وكأنّ غالا يعرفها وتعمّد أن يُرسل لها تلك الكلمات بين طيات روايته ليقول لها:
«سيدتي، تقليص الحاجات من أجل تقليص العذابات التي يُكلف إشباعها كثيراً، فتوصلت إلى أن الأشياء التي أحتاجها صارت قليلة، لأن السعادة يا صديقتي ليست في أن نملك وإنما في ألا نحتاج»!
ـ هل الحب ترف أم حاجة يمكن التخلص والتحرر منها، أو الاستغناء عنها من دون ألم متى شئنا؟
تلقفت كلماته وقفزت تبحث عن ورقة وقلم لتدوّن تلك «الوصفة» السحرية، كانت تحرص على حفظها كأورادها اليومية، في مثل تلك الالتقاطات أو«الوصفات» كانت تجد جرعات متقطعة لكنها مناسبة من المواساة لها قوة المسكنات، تجد فيها الكثير مما لم يسعفها الوقت لإدراكه أو تجريبه لتتجاوز به آلام تسرّب الأحلام وتبددها كسحابة دخان أمام ناظريها.
كانت التقاطاتها تشبهها أو تشبه حالتها، تشبه تضاريس دماغها، تعرف خريطة قلبها، ومساحات الجدب التي فيه. ترى هل يمكن لتلك العبارات أن يكون لها فعل المخدر على المدى البعيد؟ لترتسم كمؤشر بوصلة يوجهها للالتفات نحو وجهات مجهولة بعيدة، قد تشغلها عن الاستغراق في التفكير في ما فقدته من أحلام وأمنيات، لوقف جريمة الاستمراء في استنزاف العمر، بالكف عن التنظير والبحث في مجاهيل مغرقة في العبثية، كأن تبحث مثلاً عن صيغة تُعرّف بك، أو تحدد موقعك في هذه الحياة.
همسة: «هل يمكن للمرأة فعلاً أن تعيش بلا حب دون أن تتآمر على فطرتها؟!».
f.lami@alroeya.com