نظرت إلى القطعة الفنية التي أهدتها إياها أمها، والتي نسجتها بيدها من الخيوط بمهارة وإتقان، وهي عبارة عن جراب من الكروشيه لهاتفها المحمول، تحميه عند السقوط، كما تعطيه مظهراً جمالياً أنيقاً، فتساءلت في نفسها: ترى متى سيصبح هذا الجهاز أثراً بعد عين، كما حدث لكثير من الحاجيات التي كنا نستخدمها، ثم استُحدِثت بدائل عنها، فلم نعد نراها سوى في محال القطع القديمة أو في المتاحف أو في المزادات؟! ومنها ما يصل ثمنه لمئات أو آلاف الدولارات، والأمر ذاته ينطبق على قطعة الكروشيه التي تغلفه، وليس مستبعداً أن تدخل بعد 500 عام مزاداً للقطع الأثرية القديمة التي يدرسها الباحثون، ليرسموا مراحل حضارة البشرية.
جنح بها الخيال إلى ما بعد مئات السنين، وتوقعت لقطعة الكروشيه أن تستقل مكاناً مرموقاً في متحف، أو ربما تستقر بصورة أنيقة على أرفف أحد القصور لأحد هواة جمع القطع الفنية القديمة والثمينة، وتصورت حجم فخره بهذه القطعة، حتى أنه يستعرضها مع ضيوفه، فيغبطونه عليها، ويتغنون بجمالها.
استيقظَتْ فجأة، وغادرت منطقة الخيال، لتعيش الواقع، وبدا حينها في عيناها بريق يلتمع، فتناولت محمولها بغلافه الفني، وهي تشعر بالسعادة الغامرة لوجود هذه القطعة بين يديها، بصفتها التي ستكون عليها بعد مئات السنين من النُدرة وارتفاع الثمن، كما ستكون مثار فخر لمن يقتنيها، وعاشت السعادة المتوقعة بكل صدق.
أدهشتني بأسلوبها في خلق موجبات للسعادة، فابتهجت بأثرٍ قادم «عَكْس أثر رجعي»، ولم يكن هناك مجال أمامي للسخرية من أسلوبها، فهي مُقنعة في مبرراتها، ولو كان ليوناردو دافنشي، أو فان جوخ أحياء لشهدوا بذلك، إذ لم يتوقع أحدهم أن يصل سعر لوحته لمئات الآلاف من الدولارات، بل وصل ثمن بعضها للملايين.
b.shaban@alroeya.com