ظواهر المونديال
ربما يتجاوز شغف جماهير كرة القدم في بعض الأحيان الاستمتاع بالأهداف إلى متابعة طرق وأساليب احتفال اللاعبين بها عقب وصولهم لمرمى الخصم، حيث تتنوع مشاهد التعبير عن فرحة التهديف بطرق مختلفة مثل الرقص والركض بذراعين مفتوحتين أو الانزلاق على العشب، لكن هناك ردة فعل متشابهة ربما اعتاد الكثيرون رؤيتها على اللاعبين في حالات تضييع فرص سهلة أو ركلات جزاء.
ويعد وضع اليدين على الرأس في حالة تخيم عليها الدهشة، هي الطريقة التي تجمع اللاعبين في التعبير عن حالهم بعد إضاعة الفرص المضمونة، في صورة تجعل اللاعب في حالة أقرب إلى التساؤل وجلد الذات عن كيفية تفريطه في مثل هكذا فرصة سهلة. وشهد الكثيرون مثل تلك الحالات في مباريات نهائيات كأس العالم الأخيرة في روسيا التي أسدل الستار عليها أمس الأول، وهي ليست لها علاقة بكرة القدم بل هي سلوك نفسي بشري، بحسب علماء في الطب النفسي. ولا تقتصر الحالة على منفذي ركلات الجزاء، إذ تمثلت إحدى أشهر هذه اللقطات من كأس العالم 2010، في إضاعة لاعب المنتخب النيجيري يعقوبو ايغبيني فرصة أمام المرمى الخالي على بعد 10 أقدام، جعلته لا يكاد يستطيع التحرك، ليقوم جميع زملائه وأعضاء المنتخب بردة الفعل ذاتها بصورة تلقائية متزامنة في وقت واحد. فطرة بحسب أستاذة علم النفس بجامعة كولمبيا البريطانية جيسيكا تريسي فإن «اللاعب يعلم بأنه قد أضاع فرصة لا يمكن تضييعها، ويريد أن يخبر الآخرين بأسفه على ما حدث، طالباً منهم الصفح وعدم اتخاذ موقف سالب منه أو إلقاء كافة اللوم عليه».
وفي دراسته عن كرة القدم عام 1981 صنف الخبير والباحث ديزموند موريس هذه الحركة ضمن 12 ردة فعل من اللاعبين على الخسارة، ودوَّن وظيفتها في تحقيق الارتياح النفسي، كما وصفها بكونها «نوع من التواصل عن بُعد، يُستخدم عندما يكون الفرد بحاجة إلى تطمين لكن لا يوجد من يوفر له ذلك في وقته الحاضر»، مضيفاً أن مثل هذا السلوك يمكن رؤيته أيضاً في مملكة الحيوان.
وفي عام 2008 نشرت تريسي مع زميلها الباحث ديفيد ماتسوموتو دراسة مؤثرة، تناولا فيها إيماءات الفوز والخسارة التي تصدر من رياضيين أولمبيين مبصرين ومكفوفين، لتجد الدراسة أن السلوك المصاحب في حالتي الفخر أو الحسرة هو سلوك فطري ومتشابه على مستوى العالم.
وقالت تريسي «عندما يغطي اللاعب وجهه بيديه فإنه يشعر بالحسرة الأقرب للعار، يصاب بانقباض في الجسم ويحرك يديه حول رأسه ليبدو جسمه أصغر، هذه علامات تقليدية للشعور بالحرج». خيبة لا تقتصر حركة وضع اليدين على الرأس على اللاعبين أو أعضاء الأجهزة الفنية، بل نشاهدها من الجماهير أيضاً في ذات لحظات صدروها من اللاعبين، لكن الدوافع والأسباب لدى هؤلاء تختلف بحسب أستاذ علم النفس في الجامعة الرياضية الألمانية في كولن فيليب فورلي، والذي درس سلوك اللاعبين أثناء تنفيذ الركلات الترجيحية حيث تكثر مشاركة ردة الفعل بين اللاعبين والمتابعين.
وأكد فورلي «ما يبدو واضحاً بالنسبة لنا أن عدوى مثل هذه الإيماءات تستمر في الانتقال بين المتابعين واللاعبين، إذا كان الأمر يتعلق بمشاهدة فريقك الذي تشجعه، فإذا قام لاعبك المفضل بحركة تلقائية فإن عدوى هذه الحركة تنتقل إليك مباشرة وبصورة غير متوقعة».
وبغض النظر عن السبب وراء حدوثها، بات وضع اليدين على الرأس هو علامة ثابتة تجمع اللاعبين بعد تضييع فرصة سهلة، ولم يعد القيام بها يميز لاعباً عن الآخر، لكنها تبقى إحدى الإيماءات التي لا تحب جماهير كرة القدم مشاهدتها لدى لاعبي فريقها، فهي ترتبط بالخيبة والخسارة، وربما تمضي أبعد من ذلك لتصحبها دموع الحسرة والندم. دهشة لا يعلم أحد مدى مرارة الشعور عند إضاعة فرصة سهلة مثل اللاعب، كما يؤكد كوبي جونز والذي قضى مسيرة طويلة في صفوف المنتخب الأمريكي لكرة القدم ويعمل حالياً محللاً تلفزيونياً «تضييع فرصة سهلة يخلق شعوراً من عدم التصديق والإحراج ويدفع للقيام بالإيماءات المعرفة بصورة لا إرادية».
وأردف «إن وضع الكرة في الشباك هي ما نتدرب عليه كل يوم، وتلك الفرصة السهلة لا يجب تضييعها».
ونشاهد حركة وضع اليدين على الرأس بصورة شائعة أيضاً عندما يقوم حارس المرمى بإنقاذ الكرة من مرماه بصورة مدهشة ليمنع ما يعتقد البعض بأنه هدف محقق، وحدثت إحدى أشهر هذه اللقطات في نهائي بطولة كأس العالم 2006، عندما وضع زين الدين زيدان رأسية اعتقد أنها لن تجد ما يمنعها من دخول الشباك، ليتفاجأ بحارس المرمى جيانلويغي بوفون يبرع في إنقاذ الكرة، لتذهب أيدي زيدان مباشرةً فوق رأسه الأصلع. حماية بدوره لخص أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا داكير كيلتنر ما يحدث في تلك اللحظة في قوله: «عندما يشعر الناس بالذهول بشكل غير متوقع فإن أيديهم تتحرك إلى رأسهم في حركة وقائية».
وأردف «أقدم نوع من النية السلوكية وراء هذا التصرف هو حماية رأسك من الضربات».
وفي عام 1996 نشر كيلتنر دراسة حول ردة فعل الإنسان العاطفية تجاه أصوات الضوضاء المفاجئة، وكان محتواها مشابهاً لما يحدث من اللاعبين عند تضييع إحدى الفرص السهلة.
ويقول كيلتنر «تسمع أصواتاً صاخبة وهي ما تعني في معادلة العالم أن شيئاً ربما يضرب رأسك، لذا تتحرك لحماية رأسك بصورة تلقائية».
وأردف «أي نوع من الأفعال مثل ضياع فرصة أو الشعور بالألم النفسي تدفعك للقيام بتلك الحركات الواقية للرأس».
وربما تصاحب إيماءات تضييع الفرصة حركات أخرى مثل تغطية الوجه بالقميص أو رفع الرأس تجاه السماء، وهو ما يعتبره ديفيد غولدبوت مؤرخ كرة القدم البريطاني «محاولة لدفع المتابعين لتفسير ما حدث بأنه حكم القدر بدلاً من اعتباره في خانة الخطأ الشخصي».
وزاد غولدبوت «عندما يشعر البعض بالذهول فإنهم ينظرون إلى الأعلى، تلك طريقة البعض في الاعتراف بأن بعض الأشياء تبقى خارجة عن سيطرة النفس البشرية».