لمياء حسن

الأسطورة

بعد أربع ساعات من تتويج المنتخب الفرنسي بلقب كأس العالم 2018 على حساب كرواتيا، وعندما دق موعد العشاء الاستثنائي للمنتخب الفرنسي، ربما أقبل مدرب المنتخب الملقب بالديوك ديدييه ديشان، وعلى غير العادة، بنهم على تلك الوجبة، لانشغاله بما كانت تردده جميع وسائل الإعلام في بقاع العالم لحظتها بتتويجه مع منتخب بلاده بالمونديال ليصبح ثالث مدرب في تاريخ المستديرة يرفع اللقب الأغلى لاعباً ومدرباً. إسراف ديشان الملك المتوج بالذهب، لا بد أنه أعقبته الكثير من التدريبات الشاقة، بحسب صحيفة لوموند، وهي (التدريبات) التي اعتاد عليها ديشان منذ أعوام، وتتمثل إجمالاً في تمارين شد البطن، وهي التي حقق فيها المدرب البالغ من العمر (49 عاماً)، رقماً قياسياً وصل إلى أدائها لأكثر من ساعة مقترباً في بعض الأحيان من الرقم القياسي المسجل فيها عالمياً لمدة ثماني ساعات بحسب ما نقلته الصحيفة الفرنسية. ونتج عن تلك التدريبات الشاقة نقص كبير في وزن المدرب الفرنسي الشاب بشكل جعله يبدو أكثر نحافة ورشاقة من بعض مجايليه في كتيبة المجد 98، على الرغم من علامات القسوة التي خلفتها الـ 20 عاماً الماضية، والتي تكرست في شعره الذي اكتسى باللون الأبيض كلياً. عشق التدريبات الشاقة، ربما كانت أكثر دلالة في وجهه الآخر على حجم الجدية والتحدي والرغبة في الانتصار التي يتحلى بها ديشان، وهي عوامل لم تفارقه في مسيرته مع الديوك الفرنسية، قبل أن يرجع إليها الكثير من المحللين ما حققه ديشان في 15 يوليو الجاري، حيث اقتحم التاريخ، بل وأجبره على الانحناء له ليخلد أسطورته بكل فخر. مصدر الفخر، لم ينحصر فقط في التتويج الفرنسي، بقدر ما تجسد في اقتحام ديشامب قائمة المجد الخالدة لنجوم توجوا بالمونديال لاعبين ومدربين، والتي يجلس عليها تاريخياً كل من المدرب البرازيلي ماريو زاغالو والألماني القيصر فرانز بيكنباور. نبوءة بلاتيني عند وصول ديشان محطة الـ 24، وكان وقتها يلعب في نادي مرسيليا، منحه رئيس النادي برنارد تابي شارة قيادة الفريق، ليقوده ديشان للتويج بدوري أبطال أوروبا 1993، ويصبح معها أول لاعب فرنسي يتوج بلقب دوري أبطال أرووبا، قبل أن يعود بعد خمسة أعوام (1998) ويصبح أول فرنسي يتوج بالمونديال حيث كان وقتهاً، قائداً للديوك، ويكرر الأمر أمس الأول مرة أخرى كمدرب. نجاح ديشان كمدرب، كان أول من تنبأ به أسطورة كرة القدم الفرنسية ميشيل بلاتيني، والذي أكد بعد أن وضع ديشان أقدامه في التدريب مع موناكو 2004، قائلاً « ديشان سيكتب التاريخ كمدرب أكثر مما سطره كلاعب». والآن، وبعد مرور 14 عاماً على شهادة بلاتيني في ديشان أكد الأخير فعلياً ريادته في مجال التدريب ليخرس الكثير من الألسن التي انتقدته بعد خسارته ليورو 2016، ليصبح بالتالي أحد الأيقونات الفرنسية الخالدة من قبيل برج إيفيل وقوس النصر. نضج ظل على الدوام ينظر إلى ديشان على أنه رجل المرحلة في تاريخ الكرة الفرنسية والأكثر جدارة بالارتقاء بها عالمياً، وهو أمر بدأ منذ اختياره للمرة الأولى في 1989، حيث الجدية والمسؤولية الكبيرة للنجم المولود في مدينة بايون جنوب شرقي فرنسا. ولم تغب مسؤولية ديشان، منذ بداية انضمامه إلى المنتخب، عن ذاكرة زميله السابق في الديوك بيسنتي ليزارازو، والتي أشار إليها في كتابه الصادر أخير اً عن دار سوي الفرنسية بعنوان « بيسنتي ليزارازو .. إطالاتي» وذلك عندما قال عنه في مختصر الكتاب «أهمية ديشان تنبع في فقدنا له أثناء غيابه، رغم جديته الشديدة وسخريتنا منها في بعض الأحيان». الجانب الآخر من شخصية ديشان وجديتها، يتجلى في حكايته التي لم تروَ بعد، بحسب لوموند، مع زميله السابق مارسيل دوسايي، والذي كانت تجمعه به صداقة أقرب إلى الأخوة استمرت لفترة من الزمان. ومنذ لقائهما الأول في مركز نانت لتكوين اللاعبين في 1980، ظل دوسايي ينادي ديشان بـ«بلانشار»، تيمناً بمغني الروك الفرنسي جيرارد بلانشار، ومن وقتها لم يفترق الثنائي للحظة طوال تلك الفترة. وفي خضم الصداقة المتينة تلك، حيث أحلام الثنائي دوسايي وبلانشار كما يحلو لمارسيل، بدنيا الشهرة والمال، حدث أمر جلل لدوسايي، تمثل في وفاة أخيه من أمه والنجم الواعد لفرنسا سيث أدنوكور وكان ذلك في حادث حركة عام 1984، وهو الحادث الذي كشف عن النضج الحقيقي لديشان الذي كان وقتها في الـ 16 من عمره، حيث قرر إخراج دوسايي من تلك المحنة. وعلى ذلك علق دوسايي «مد لي أيديه ووقف معي، كان يحفزني بقوة على الصمود ومجابهة الأمر، منذ ذلك الوقت، علمت أنه سيكون قائداً استثنائياً له دور في التاريخ الفرنسي». وبعد مرور أربعة أعوام فقط على فاجعة دوسايي في أخيه غير الشقيق، كان ديشان نفسه على موعد مع حادث مماثل عندما فقد شقيقه فيليب في حادثة حركة، وكان وقتها في الـ 20 من عمره، ليغير ذلك الحادث كثيراً، بيد أنه كرس للمزيد من الجدية التي يتحلى بها وحب الكرة.

أخبار ذات صلة