كتاب: السليقة والتلقائية تقصيان الحداثيين عن الشعر الساخر
رأى شعراء وكتاب أن الشعر الساخر، أو ما اصطلح على تسميته «الشعر الحلمنتيشي»، يعاني من عزوف الحداثيين عن نظمه واتجاههم إلى القصائد النثرية والغزلية والتويترية القصيرة، مرجعين ذلك إلى افتقارهم لأدواته وصعوبته، إذ يتطلب موهبة خاصة وسليقة ظريفة تستطيع كتابة أبيات تلقائية، بأسلوب يعتمد على المفارقة والسخرية والمزج بين العامية والفصحى.
ويعتبر «الشعر الحلمنتيشي» في الأصل نصوصاً فكاهية أو منولوجياً، واشتهر في منطقة حوض البحر المتوسط، ويجمع بين الألفاظ العامية والفصيحة، ويهدف إلى وصف حالة أو سلوك اجتماعي أو حتى مشاعر خاصة بشكل هادف، يواجه الآلام والأوجاع بالضحك الأسود، وأعاد إحياءه في العصر الحديث الشاعر المصري الراحل حسين شفيق.
وقال الكاتب والشاعر عبدالفتاح صبري، إن الشعر الساخر «الحلمنتيشي» لون مختلف من الشعر راج في مصر في فترة ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، و«الحلمنتيش» اسم ساخر لا يعني شيئاً سوى تمييزه عن غيره من الأنواع الشعرية كالغزل والمدح والوصف والفخر والرثاء، وفي العصر الحديث نجح الشاعر المصري حسين شفيق في إعادته إلى مكانته المرموقة.
وحدد سبب نفور الشعراء من كتابة هذا النوع، إلى صعوبة نظمه لأنه يتطلب موهبة خاصة وسليقة ظريفة، تستطيع كتابة قصائد في قالب تلقائي بأسلوب يعتمد على المفارقة الفجة.
وقال إن «قصائد الشعر الحلمنتيشي تحتاج إلى كتابة بداية هزلية في مطلع القصيدة القديمة، ومن ثم النسج على منوال المطلع شعراً فكاهياً متهكماً حول المساوئ الاجتماعية والاقتصادية».
وأضاف أنه «على الرغم من انفتاح الجيل الجديد من الشعراء على الكتابة الساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بإمكانهم انعاش هذا النوع من الشعر المتخصص، إلا أن الكثيرين منهم لا يقبلون على كتابة الشعر الحلمنتيشي لافتقارهم أدواته».
واشترط عبدالفتاح صبري في الشاعر «الحلمنتيشي» الساخر أن يمتلك سمات تجعله يتمكن من نظمه، أبرزها أن يتميز بالطرفة الحاضرة، وأن يكون مدركاً للحدود الفاصلة بين أن يُضحك الكاتب جمهوره، أو أن يَضحك عليه عبر الابتعاد عن اللغة المبتذلة.
بدورها، أشارت الكتابة الإماراتية فتحية النمر، إلى أن الكثير من الشعراء تتميز قصائدهم بالسخرية التي يعتمدون عليها كمدخل لمناقشة القضايا العالقة المبطنة بالألم ومباعث البكاء، وربما هم أنفسهم لا يعلمون أن هذا شكل أو لون من ألوان الشعر الساخر.
وظهر هذا اللون في وقت مبكر لدى بعض الشعراء في السعودية، ومنهم الراحل أحمد قنديل، الذي نشأ في بيئة شعبية وتأثر بعاداتها وتقاليدها، ولا ينكر أحد أثر هذه البيئة في تكوين شخصيته، حيث كان ينظم الشعر الحلمنتيشي الممزوج بالعامية النجدية والحجازية، بحسب النمر.
وأفاد الشاعر الإماراتي مصبح الكعبي، بأن الشعر الساخر «الحلمنتيشي» ضنين ونادر جداً في مصادره وشحيح في مراجعه، على الرغم من أن هناك عدداً من الشعراء المعروفين كتبوه، ومنهم الشاعر السعودي الراحل غازي القصيبي، الذي كانت له صولات وجولات في هذا اللون الشعري.
وتحدث الكعبي عن «أصل هذا النوع من الشعر الذي يعود إلى عصر النهضة، حيث كان يُعرف بشعر الزجل، وقد شهد نكوصاً وتراجعاً واضحين في زمن المماليك والعثمانيين، ولكن في العصر الحديث نجح الشاعر المصري حسين شفيق في إعادته إلى مكانته القديمة وعصره الذهبي».