يعتبر محور الدين وجوهر رسالته هو تكريم الإنسان، فلا يصح أن نضحي بهذه القيمة السامية؛ إكراماً لقول فقيه أو خشية عالم يحاول بجهل أو بعلم نشر الفتنة وإثارة الاحتقانات الطائفيَّة أو له مآرب في السعي إلى ترويج الكراهية باسم «الدين» أو ربما خرج عن انتهازيَّة ظاهرة أو مبطنة! من تبعات التطرف الغلو، الانحراف الفكري وحصول العنف؛ لأن التطرف والغلو مُجاوزة حد الاعتدال وعدم التوسط، والتطرُّف، ما جعل مفاهيمنا مختلة عن الطبيعة الإنسانيَّة السويَّة، سواء حقوق الإنسان، ومبدأ التعايش وحريَّة الاعتقاد والتسامح والمساواة وهي جملة من القيم العليا تعطلت فاعليتها، ليمارس إرهاباً أكثر قسوة من التنظيمات الفاشيَّة.
هناك القليل الذي ينظر إلى التطرف، ويحاكمه محاكمة عقليَّة متوازنة، وهو دون شك مرادف للغلو الذي نقده الإسلام ونفر منه، وجعله منافياً للشرع القويم، فالتطرف الحاضن الطبيعي للإرهاب، فهي مادة صانعة للعنف والموت، فقد استغلتها جهات خارجيَّة ومنظمات تكفيريَّة جهاديَّة على حساب التعدديَّة والوسطيَّة والاعتدال. فلا بد من استعادة حقيقة الدين الحنيف وإرجاعه إلى أصوله الرحبة وبساطته التي تيسر ولا تضيق، وتنير ولا تظلم، ولا بد من معرفة ماهيَّة التشدد والتطرف في رؤية هؤلاء المغالطين المغالين، وهي دعوة لمراجعة شريحة من المفاهيم المستقرة في فكر المتشددين، من أجل القدرة على مواجهتها.
واعتزازاً بالمنهج العقلاني الصافي عن شوائب النصوص، لا بدَّ من حصر ماهيَّة الغلو والتطرف عند الجماعات التكفيريَّة الضالة، وغالباً ما تنحصر فيمن عبدوا الشيطان، والمنكرين والملاحدة، ويعددون الآلهة والأوثان والأحجار، وتعلُّقهم بالأوهام والخرافات، وأصبحوا دهريين، وأنكروا الأخرة، والشركيات.. إلخ. جملة تلك العناصر ترفضها ثقافة الأمة لاصطدامها مع منظومة العقيدة، وهي عبارة عن سياقات من المخالفات غير المقبولة بإجماع المسلمين، ومن المسلمات التي لا يمكن نكرانها، وتحت هذا العنوان تتداعى تفاصيل كثيرة، منها جمود عقول هؤلاء المتشددين عند ظواهر النصوص، والدين عندما ينتزع منه ثوب الأخلاق، ما يؤكد أن هناك خللاً في المفاهيم الفقهيَّة والأخلأقيَّة، فالقضية بالنسبة لهم انتقائيَّة. ويبدو أنه لا يوجد لديهم نصوص واضحة عن الغلو والتعصب والتزمت من زاويته الأخلاقيَّة والسلوكيَّة - عدا العقائد، وتنتمي جذورها الفقهيَّة إلى الأصوليَّة المتشددة، وتتمثل في آراء هادمة حول التكفير، وتصنيف المسلمين، وتصفية الأمة والطائفة، الجهاد برؤية متطرفة، وطموح الخلافة، كلها مجموعة من الأفكار تعتبر عامل جذب للمنحرفين أخلاقيّاً، ومن لديهم خلفيات إجراميَّة أو مرضى نفسيّاً، فيحدث لديهم امتلاء نفسيٌّ بالزهو، وسدّاً لعقدة النقص بما يشبع حرمانهم بالرياسة، ما يدلُّ على مدى إغفال دور العلم والعقل، ولم يستوعبوا من الدين غاياته ومقاصده.
l.hashimi@alroeya.com