ترجمة: أحمد الليثي

مأساة وحدت قلوب الملايين

أثبتت قصة فتية الكهف التايلانديين أن الواقع يفوق السينما وأن دراما الحياة تتغلب على أعتى السيناريوهات الفنية، وأن إعلام مواقع التواصل الاجتماعي حوّل العالم من قرية صغيرة إلى غرفة، والمأساة في ظله توحد قلوب الملايين. مفارقات كثيرة صنعت تلك القصة التي تتوافر فيها كل عناصر الدراما من تمهيد ومأساة وترقب وذروة وجمهور محبوس الأنفاس ثم نهاية سعيدة. أبطال تلك القصة فريق كرة قدم مكون من 12 فتى تايلاندياً ومدربهم خرجوا في رحلة استكشافية داخل كهف ثام لوانغ، فاحتجزتهم المياه 18 يوماً حتى دلت عليهم أحذيتهم الطافية ولاحظها ثلاثة غواصين أجانب، وبدأت عمليات الإنقاذ. عتمة الكهف لم تفقدهم الأمل في الخروج إلى ضوء النهار، صانعين من الأمل أطواق نجاة، مسجلين أهدافاً ليس في الشباك بل في الصبر والتحمل. مجريات القصة دفعت عدداً من متابعيها إلى المطالبة بتوثيق الواقعة في فيلم سينمائي يسرد الأهوال والصعاب التي واجهت الشبان الصغار على مدى أكثر من أسبوعين، وليروي أيضاً معاني الشجاعة والإرادة والتشبث بالحياة التي تحلى بها هؤلاء الصغار. وتفصيلاً، أوضح المخرج السينمائي المصري الدكتور طه الحكيم أن سفراء النيات الحسنة والسلام في العالم العربي يتعاملون مع تلك الألقاب على أنها مناصب شرفية، مبيناً أن توثيق الحالات الإنسانية والمواقف البطولية لا تستدعي مرور أي مدة زمنية معينة بعد الحادث. وأشار إلى أن هذه المواقف تعتبر حالة إبداعية وقصة ملهمة تكون في أوجها وقمة التأثر بها في وقت حدوثها، لافتاً إلى أن الغرض الأساسي من الفن إثراء الروح والمشاعر في المقام الأول، وليس استغلال المأساة للكسب المادي. بدوره، ذكر المخرج السعودي أيمن جمال أنه يمكن توثيق واقعة احتجاز الأطفال ومهامهم في الكهف في فيلم وثائقي يعرض تفاصيل الحادث، لافتاً إلى أنه في حال تحويلها إلى فيلم سينمائي، يتوجب التركيز على الطابع الدرامي في القصة بحسب قوة السيناريو المكتوب. من جانبه، قال المخرج الإماراتي سعيد مبارك إن تحويل قصة الأطفال العالقين في كهف تايلاند إلى فيلم يعتبر توثيقاً للتجربة التي خاضها الصغار بشجاعة وصبر أبهر العالم، وليس بالطبع استغلالاً للمأساة. وأكد أهمية التركيز على إنتاج فيلم مؤثر على مستوى عالٍ من الحرفية وعدم الاكتفاء بتوثيق الحدث بشكل خبري، إذ تحمل قصتهم رسالة عميقة عن تكاتفهم والظروف التي عاشوها بجميع تفاصيلها الإنسانية. وأضاف أنه لا توجد مسافة زمنية بين توثيق الأحداث وطرح فكرة الفيلم، إذ يجب أن يكون التمثيل واقعاً وليس بثاً حياً لحالة الأطفال، مع التركيز على احترام خصوصيتهم وحقوقهم الإنسانية. وعن دور الفنانين في التطرق للأحداث الإنسانية، أفاد بأن الكثير منهم غافلون عما يدور من أحداث عالمية، ويتناسون الاطلاع على القضايا الإنسانية. مغامرة خارجة عن المألوف حول الآثار النفسية التي من المتوقع أن تصيب الأطفال، أوضحت الباحثة الاجتماعية سحر خوري أن الصغار الذين كانوا عالقين في الكهف يتمتعون بقدر من الشجاعة والمسؤولية، إذ استطاعوا الابتسام أمام الكاميرات وطمأنة أهاليهم في وقت عصيب من دون أن يفقدوا السيطرة على أعصابهم. ورجحت أن يصاب الفتيان بكوابيس ورهاب الأماكن المغلقة والحزن ونوبات الذعر، بعد صدمة من هذا النوع، في الشهر التالي، مضيفة «إذا تمكنوا من النظر إلى هذه المحنة على أنها مغامرة خارجة عن المألوف بدلاً من التفكير مراراً وتكراراً باحتمالات الوفاة العدة، فإنهم قد لا يعانون كثيراً من الناحية النفسية». وشددت على أنه من المهم أن يركز الفتيان على النجاة وليس على السيناريوهات الأخرى، ذاكرة أن التجارب القاسية تبيّن آثار التربية المبنية على الثقة في النفس.

أخبار ذات صلة