لا تزال الصين تقف على أبواب القرن الواحد والعشرين ويمكن أن يقال إن بدايات التحديات السياسية بينها وبين الولايات المتحدة تكمن في الهيمنة الاستراتيجية لأمريكا على العالم، وأن جودة الحياة رضخت لمجتمع اقتصاد السوق الحر، فكانت المحصلة معلومات يقينية تدين الاستحواذ والسيطرة الكاملة. ودخول واشنطن وبكين في حرب تجارية بعد فرض رسوم أمريكية جديدة بعشرات المليارات من الدولارات على السلع الصينية يخلق إشكالاً كبيراً بين البلدين في العلاقات السياسية والاقتصادية، وتخبرنا أن تبعات هذه الحرب مؤشر لتعقيدات عميقة، فهل ما يدور هو لأسباب اقتصادية أم لأسباب سياسية لبقاء أمريكا القوة الأولى بالعالم وتقف خلف الحرب التجارية.
والرئيس ترامب يرى أن الحروب التجارية جيدة وسهل الخروج منها والانتصار فيها، وهذه القناعة وهذا التوسع في الاقتصاد جعل سياسات ترامب تقوض سياسات حرية التجارة التي شكلت التبادل التجاري في العقود الأخيرة، والاقتصاد قبل أن يكون نقداً وتجارة فهو يعتمد على نشاط إنساني اجتماعي وقيمة فعلية.
بينما تبحث الصين عن توازن استراتيجي عطفاً على مكانتها الاقتصادية في العالم بعدما زرعت أقدامها على أرض الواقعية السياسية ورسمت انعطافة كبيرة ترجمتها النتائج واصبحت قوة اقتصادية خارقة يخشاها العالم، فخلال العقد الأخير استطاعت الصين أن تتوزع بين دول العالم من الشرق إلى الغرب وأن تشتري التقنية الحديثة من اليابان وألمانيا وأمريكا.
وهنا وجب على هؤلاء أن يواجهوا الخيارات الصعبة وأن يعدوا العدة لهذه التداعيات الجديدة وهذا التصعيد المستمر، وبالمقابل عبرت الحكومة الصينية عن قلقها من هذه الحرب وما تحدثه من اضطرابات في السوق العالمية، فإذا كان الإقرار بذلك واقعاً لا محالة فيعني أن معالجة هذا الأمر الجلل سوف يطول أمده وليس كما يعتقد ترامب. لا شك أن هناك خللاً في النظام المالي وعجز الحكومة وزيادة الضرائب في تصوري أدى لهذا القرار، وهذا الأمر مهما بلغت صعوبته وتفسيره يدركه الصينيون. إذن ما معنى كل ذلك؟ هل السياسة الأمريكية تعمل على إنقاذ الرأسمالية من المعادلة الصينية؟ وتخشى على تفردها في العالم وتستغل الحكومة وضعها لتغطية عجز تواجهه؟ في الحقيقة هي عملية بالغة التعقيد، ومفهوم لا يتعلق بردود أفعال تجاه الوقائع الخارجية فقط. بل على العالم مواجهة الاستبداد السياسي وتحجيم علاقته بالاضطهاد الاقتصادي. m.shareef@alroeya.com