ريم الشامي

14.2 مليار دولار حجم الإنفاق

لن يكون بمقدور حدث في العالم حالياً مهما تعاظم مضاهاة ما تجده نهائيات كأس العالم 2018 التي تجرى هذه الأيام في روسيا، وذلك قياساً بالمفاجآت العديدة التي حفلت بها النسخة الحالية، ولا تزال، وهي تحديداً ما منحها هذا الزخم الإعلامي الكبير. وانطلاقاً من خروج جميع منتخبات القارات الخمس من النسخة الجارية، وتركها للقارة العجوز في الدور نصف النهائي، ومروراً بتقنية الفيديو المثيرة للجدل، وتساقط النجوم الكبار بما يشبه نهاية أسطورتهم، يعد المونديال الجاري الأكثر تأثيراً، وهو أمر يسعى البلد المضيف إلى استغلاله بالصورة المثلى لتحقيق فتوحات اقتصادية تنعش الاقتصاد الروسي الذي يتطلع إلى قفزة نوعية في الفترة المقبلة. وتأمل السلطات الروسية في أن يمثل المونديال أحد العوامل لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، في ظل العقوبات التي تشهدها البلاد منذ العام 2014 نتيجة للخلافات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. ومن المتوقع أن تحقق روسيا الكثير من المكاسب في مختلف القطاعات، حيث تتصدر قطاعات البنى التحتية والسياحة القائمة، لتسجل عوائد مباشرة على المجتمع الروسي الذي عانى طوال الأعوام الثلاثة الماضية من أزمة اقتصادية طاحنة هوت بالعملة المحلية إلى مستوى دون الـ 70 روبل مقابل الدولار الأمريكي قبل أن يعاود الصعود نسبياً في العام الماضي. ويعتقد الكثير من الخبراء أن تبلور التأثيرات لن يكون إلا على المدى المتوسط والبعيد، فيما بدأت عدد من المؤسسات دراسة عوامل الانتعاش التي اكتسبتها روسيا منذ انطلاقة المونديال. وتتباين الأرقام الرسمية حول عدد المشجعين والسياح الذين وصلوا إلى روسيا خصيصاً لمتابعة نهائيات كأس العالم بين 570 ألفاً و600 ألف مشجع، فضلاً عن 700 ألف مشجع محلي، الأمر يؤدي تلقائياً إلى زيادة التدفقات السياحية على المدن المستضيفة للمباريات. وأفادت تقارير روسية رسمية بأن عدد المشجعين الذين حضروا المباريات بلغ حتى الآن 2.178894 مليون شخص، إضافة إلى أكثر من 2.5 مليون يمثلون الحاضرين لمهرجانات المشجعين المنتشرة في المدن الـ 11، فيما تجاوزت مبيعات التذاكر الـ 2.6 مليون تذكرة بحسب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). سياحة أسهم تنظيم روسيا للمونديال في تشجيع قطاع الفنادق، حيث تشير تقديرات مؤسسة كولييرس إنترنيشينال إلى أن موسكو شهدت افتتاح نحو 2.5 ألف غرفة فندقية، معظمها بدأ العمل لأول مرة قبل انطلاقة المونديال. ولا يقتصر الانتعاش في قطاع الفنادق على العاصمة وحدها، إذ تؤكد تقارير أن المدينة الثانية في البلاد سان بطرسبورغ، والتي تعد الأكثر جذباً للسياحة، قد شهدت هي الأخرى افتتاح أكثر من 2400 غرفة فندقية جديدة. وتقدر المؤسسة الروسية للسياحة ارتفاع عدد السياح، الذين زاروا أو ينوون زيارة المدن المستضيفة عقب المونديال، بـ 20 إلى 25 % مقارنة بالعام الماضي. صمود الروبل توقع الكثيرون ارتفاع العملة الروسية (الروبل) مقابل الدولار مع انطلاقة النهائيات نتيجة للإنفاق الكبير من قبل الزوار الأجانب والمشجعين، خصوصاً مع عدم توافر إمكانية الدفع عبر العملات الأجنبية في أغلب المرافق. لكن الواقع يؤكد عدم تأثر الروبل سواء سلباً أو إيجاباً بل ظل في حدود 63 إلى 61 مقابل الدولار، كما كانت عليه الحال قبل أشهر من انطلاقة البطولة. وكان البنك المركزي الروسي توقع نمواً في الاقتصاد الوطني خلال العام الجاري بنحو 1.5 إلى 2 %، على أن يتراجع معدل التضخم في 2018 لمستوى 3.5 إلى 4 %، وأكد البنك أن المونديال الذي تستضيفه البلاد لأول مرة سيسهم في تنشيط الاقتصاد الوطني بشكل ملحوظ العام الجاري. منشآت بحسب وكالة سبوتينك الروسية، بلغت نفقات روسيا على المونديال حوالي 883 مليار روبل، أي ما يعادل حوالي 14.2 مليار دولار، بينها 4.1 مليار دولار لبناء وترميم الملاعب، ما يجعل البطولة الأغلى في تاريخ النهائيات، إذ أنفقت البرازيل على سبيل المثال في عام 2014 حوالي 11.6 مليار دولار. وتعتبر روسيا الوحيدة بين الدول التي استضافت المونديال التي قامت بتشييد وتجديد جميع الملاعب الـ 12 بشكل جذري، إضافة إلى مشاريع المطارات مثل مطار مدينة سارانسك عاصمة جمهورية موردوفيا. وشهدت البنى التحتية في المدن التي تستضيف كأس العالم وضواحيها تحسناً غير مسبوق، حيث جرى تحديث 20 محطة للقطارات، في حين بلغت مسافة الطرق التي جرى بناؤها وتجديدها 178 كيلومتراً، كما جرى بناء محطات مترو جديدة في كل من موسكو وسان بطرسبورغ ونيزني نوفغورود. وترى الحكومة الروسية أن الإنفاق على المنشآت لا يمكن اعتباره خسارة بل جزءاً من خطتها لتطوير البنيات التحتية، خصوصاً بعيداً عن العاصمة موسكو، كما أكد رئيس اللجنة المنظمة لنهائيات كأس العالم أليكسي سوروكين «زوار البطولة قد يستخدمون هذه الطرق لأيام لكنها تظل لمواطنينا لأعوام». دعم بحسب دراسة للاتحاد الدولي لكرة القدم، فإن البطولة ستعزز الاقتصاد الروسي بنحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، وأوضحت الدراسة أن المونديال سيسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بـ 2.43 مليار دولار إلى 3.4 مليار دولار سنوياً، مقارنة بـ 1.5 في المئة في العام الماضي بعد الانكماش الذي أعقب انهيار أسعار النفط. وقطع أليكسي سوروكين بصعوبة تحديد عوائد البطولة بالأرقام في الوقت الجاري «الدخل جرى تقديره باعتماد المنهج الدولي الذي جرى بموجبه تقدير الأرباح الاقتصادية لمونديال عام 2006 في ألمانيا، وكذلك أولمبياد لندن عام 2012». وأضاف «شاركت في وضع التوقعات الاقتصادية للمونديال مؤسسات عالمية، وكل النتائج التي خلصت إليها الدراسة عبارة عن توقعات أولية، سيجري تعديلها بعد انتهاء البطولة بكل تأكيد». فرص عمل على صعيد آخر، يعتقد أن تنظيم المونديال وفر فرص عمالة بواقع 969 ألف وظيفة جديدة في الفترة بين 2013 إلى 2018، كما بلغت إيرادات الفرد الإجمالية في هذه المشاريع خلال السنوات الخمس الماضية 414 مليار روبل، ما يعادل حوالي 6.54 مليار دولار. ومن المنتظر أن ينعكس المونديال في روسيا على فتح فرص عمل جديدة في المستقبل، حيث تشير التقديرات الروسية إلى أن تنظيم المونديال وتنفيذ المشاريع المتعلقة به سيسهمان في رفع نسبة التوظيف لتطال 245 ألف شخص سنوياً على مدى خمس سنوات مقبلة. ولعل روسيا تسير لتجاوز النجاح الذي حققته البرازيل، التي تفوقت بدورها على جنوب أفريقيا، إذ جلب مونديال 2014 للاقتصاد البرازيلي إيرادات وعوائد وفرص عمل قدّرت قيمتها الإجمالية بـ 70 مليار دولار في عام واحد، ساعدت البلاد في التغلب على التضخم الذي عاد لمستوياته دون الثلاثة في المئة. كما حقق الناتج المحلي الإجمالي في البرازيل نمواً بـ 1% خلال عام 2017 بأكمله، بعد انكماش نسبته 3.5 في المئة.

أخبار ذات صلة