أيقونة الدب الروسي
قبل عام تقريباً من انطلاق نهائيات كأس العالم، كان الجميع في روسيا يتحدثون عن المدة التي قضاها حارس المنتخب الوطني إيغور أكينفييف في التشكيلة بدون أن يكون له تأثير واضح، مطالبين بضرورة رحيله لتجديد دماء المنتخب الذي يستعد لاستضافة أهم حدث في كرة القدم. لكن شتان بين صورة الأمس واليوم، بعدما بات الحارس بطلاً قومياً وهو يقود بلاده إلى ربع نهائي المونديال، قبل أن يخرج بالترجيحية أمام كرواتيا السبت الماضي.
لم يعد أكينفييف أحد الشخصيات الهامة في روسيا فحسب، بل نشرت وسائل الإعلام المحلية إحصائية عن عدد المواليد الذين جرت تسميتهم باسمه، فيما طالب البعض بوضع تمثال له في ساحة النصر وسط العاصمة موسكو عقب إبعاده لركلتي ترجيح أمام المنتخب الإسباني وضعتا المنتخب الروسي ضمن الثمانية الكبار.
وعلى الرغم من الانتقادات التي واجهها الحارس الدولي منذ عام 2004 بوصفه أحد المتسببين بخسارة روسيا أمام أوروغواي في الجولة الثالثة من دوري المجموعات 3 ـ 1، فإن أداءه المميز في ثمن النهائي غيّر آراء الروس حول الحارس المخضرم.
وصحيح أن اللاعب يحرس عرين الدب الروسي منذ ما يزيد على الـ 14 عاماً بواقع 110 مباريات حتى الآن، لكن تظل المباراة قبل الأخيرة له أمام المنتخب الإسباني هي الأهم في مسيرته الطويلة.
بداية متواضعة
نشأ إيغور أكينفييف المولود في أبريل 1986 مثل غيره من اللاعبين في منطقة فيدنوي إحدى ضواحي العاصمة موسكو، حيث كان والده يعمل سائق شاحنة ووالدته معلمة في إحدى المدراس المحلية، لكنهما كانا حريصين على منحة الفرصة لتحقيق شغفه بكرة القدم التي اختار فيها أن يكون حارس مرمى منذ البداية.
وواصل الحارس الناشئ مسيرته مع الفرق المحلية قبل أن يلتقطه كشافو نادي سيسكا موسكو الذي انضم إليه في 2002، بينما وقّع أول عقد احترافي له مع النادي في العام التالي، ولم يفارق نادي العاصمة منذ ذلك الحين وصولاً إلى منصب قائد الفريق وأحد أهم اللاعبين في التشكيلة.
ولعب أكينفييف أول مباراة دولية له بقميص المنتخب الأولمبي الروسي في سبتمبر 2003، عندما واجه المنتخب الأيرلندي في المباراة التي انتهت بهزيمة الروس بهدفين دون رد، ليأتي ويخسر مباراته الثانية أمام المنتخب السويسري بهدفين لهدف، لكنه ومع ذلك وجد الإشادة من قبل الكثير من المراقبين، ما قاده إلى حراسة مرمى المنتخب الأول ولم يتجاوز الـ 18 من عمره بعد في 2004.
وعلى الرغم من كونه اللاعب الأصغر في تاريخ المنتخب الروسي، تواصلت خيبات أكينفييف بألوان المنتخب الروسي، حيث خسر مباراته الأولى أمام المنتخب النرويجي 3 ـ 2، في يورو 2004، لكنه ظل يحمل آمال عشاق الكرة الروسية، إذ لم تمض أشهر على انضمامه إلى تشكيلة الدب الروسي حتى جرى اختياره ضمن المجموعة المشاركة في نهائيات كأس الأمم الأوروبية في البرتغال.
وشارك الحارس في يورو 2004 بوصفه أصغر لاعب في البطولة، لكنه كان الوحيد ضمن تشكيلة منتخب بلاده الذي لم تتح له فرصة اللعب طوال المنافسة، قبل أن يعود بعد أربعة أعوام للمشاركات الأوروبية لكن بوصفه حارساً أساسياً هذه المرة، بل لعب جميع المباريات كاملة ليقود منتخب بلاده إلى مربع الكبار في البطولة.
أخطاء كارثية
يعتبر الحارس الفائز بلقب الدوري الروسي ست مرات بألوان سيسكا نفسه محظوظاً بالوصول إلى هذا المستوى بعدما بات يقارن بالأبطال في روسيا «كرة القدم هي حياتي لدرجة أنني كنت أتغيب عن المدرسة لأجل التدريبات، سعيد بأنني اليوم سبب في إسعاد الجمهور الروسي».
وعلى الرغم من تألق صاحب الـ 32 عاماً على مستوى النادي، فإنه كثيراً ما تعرض للنقد لأدائه المتقلب مع المنتخب الوطني، خصوصاً بعد الأخطاء التي وصفها اللاعب نفسه لاحقاً بالطفولية لجهة الأداء الكارثي الذي قدمه في نهائيات كأس العالم 2014 في البرازيل.
ويعد خطأه أمام كوريا الجنوبية في مونديال 2014 الأبرز في مسيرته عندما أفلتت الكرة من بين يديه لتعانق الشباك، فضلاً عن خروجه الخاطئ في مباراة المكسيك في كأس القارات عام 2017 والتي كلفت منتخب بلاده الخروج مبكراً على أرضه.
رقم سلبي
المفارقة أن أكينفييف يملك رقماً قياسياً سلبياً في عدد المباريات التي تلقى فيها أهدافاً، حيث خاض 43 مباراة متتالية في مسابقة دوري أبطال أوروبا بدون أن يحافظ على نظافة شباكه ولو لمرة واحدة طوال الفترة بين نوفمبر 2006 حتى نوفمبر 2017.
ويرى الحارس الروسي أن ابتعاده عن متابعة وسائل الإعلام سبب في استمراره حتى الآن «في بدايتي كنت أنظر إلى بعض التقييمات حول أدائي، لكن أعتقد أنني كنت أحمقاً حينها، الآن لا أتابع وسائل الإعلام ولا أشتري الصحف، وأعتقد أن الإنترنت قد يكون مكاناً للآراء السلبية في كثير من الأحيان».
وعلى الرغم من التاريخ المتواضع للحارس، فإن الصياد الروسي، كما باتت تطلق عليه جماهير منتخب بلاده، استطاع انتزاع احترام الجميع وهو يعيد كتابة تاريخ الكرة الروسية بالتأهل إلى ربع النهائي لأول مرة في تاريخها.