ري
غرق الإنسان في فوضى المحتوى وكثرته، أينما يمم وجهه يواجه سيلاً من الأخبار، والآراء، والأحداث، وبدلاً من أن يطوع التكنولوجيا لخدمته، أسَرته وطوقته بالتطبيقات، والمواقع الكثيرة جداً جداً.
ضجيج لا يسمح بالهدوء ولو للحظة، فأين الهاربون إلى نعيم السكون؟ من وصلت بهم الحال إلى الضجر من هذا الزيف والهراء الذي تضج به مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إنه ليس تواصلاً، بقدر ما هو عبث بالواقع، ومحاولة لخلق واقع ليس حقيقياً، لأنها لا تلبي احتياجات الإنسان الأعمق حين يكون التواصل سبباً، فهل ما يحدث تواصل فعلاً، أم أنه أخذنا إلى منطقة أخرى، إننا فعلياً نتعامل مع آلة باردة، وصور معدلة، وأجواء لا تعكس الحقيقية.
إدمان يعد بإنسان يشبه الآلة التي بيده، انظر إليهم حين يجتمعون، الكل مشغول ببث اللحظة للآخرين المزيفين، تواجدهم مع بعضهم ظاهرياً، لكن عقولهم في مكان آخر، والذي سيحدث مع الوقت أن الإنسان سيفقد براعته في التواصل الفعلي، سيفقد إحساسه، لأنها مهارات تنمو وتكبر مع الممارسة، لكنها تذوي وتذبل مع الجمود، قبل أن يأكل يوثق طبقه! وبعد أن يلبس يوثق أناقته، وحين يعيش أجواء الفرح فإنه يوثق أيضاً، إنه مهووس بالتوثيق، والنشر، لأي هدف؟ اسأله، لن تجد جواباً منطقياً.
حتى التوثيق في وقتنا هذا ليس لاستعادة الذكريات الأجمل، إنما للنشر فقط، كأنه يحاول أن يؤكد رفاهيته، وأنه يعيش جواً خرافياً! من أجل ماذا؟
بالطبع لست ضد التكنولوجيا، والتطور، بل ضد تجريد الإنسان من مشاعره، ضد اختلاط الأصوات فلا يستطيع الإنسان أن يميز الصوت الذي يلمسه، ويحاكي عقله، أو قلبه، ضد تحول اجتماع الأصدقاء والأحبة إلى اجتماع الصم البكم بسبب آلة.
فأنت حين تتحدث، تحتاج إلى من يسمعك، وتشعر به، ويشعر بك، وتفهمه ويفهمك، تحتاج إلى التفاعل، تحتاج إلى إيصال مشاعرك، وفكرتك، فهل هذا يحدث اليوم؟
الوضع اليوم، صمت مطبق، ورقاب منحنية، والتفاعل صفر، إلى أين سنصل؟ وهل هي مجرد «هبة» ستنتهي مع الوقت، أم أنها ستحولنا لمخلوقات جامدة!
باختصار انتبه قليلاً لتأثير التكنولوجيا عليك، لا تسمح لها بأن تستعبد وقتك، أو تنسيك احتياجاتك، ولا يخدعك التظاهر الذي تعج به، لأنك لست آلة، بل مخلوق يعيش حنيناً أبدياً إلى الطبيعة.
a.fahad@alroeya.com