تدوين التاريخ لم يعد ترفاً، إنما هو حاجة حقيقية لمعرفة ما جرى وما سيجري. في اعتقادي، التاريخ يتكرر دائماً، الأحداث تتغير بطبيعة الحياة، ولكنها تستمر كدائرة. لكن يجب أن يوثق التاريخ وتفاصيله بأيدٍ أمينة، تدرك أن تحريفه سيكون بمثابة جريمة في حق المجتمعات. أذكر أن الحماس قد أخذني خلال عملي الصحافي قبل أكثر من عشر سنوات، فتوجهت إلى إحدى دور المسنين لألتقيهم، وأجمع منهم بعض القصص كنوع من التاريخ الشفهي. أحد كبار السن صار يسرد لي حكايات عن حاكم البحرين الراحل، فصرت أكتب خلفه بكل شغف حتى جمعت عشرات الموضوعات. ثم توجهت إلى الصحيفة، التقيت رئيس التحرير، أخبرته بمحصلتي، فما كان منه إلا أن ضحك مطولاً ثم سألني: وما أدراك بأن كل تلك الحكايات حقيقية؟ ألم تضعي في اعتبارك أن ذلك الرجل الطاعن في السن ربما يكون قد اختلقها ليجذب انتباهك لفترة من الزمن؟ بعد أن تأكدت من مسؤولي الدار، علمت بأن ذلك الرجل فعلاً لم يعد في كامل وعيه. وكدت أرتكب جريمة في حق التاريخ. بعد هذه الحادثة، صار تدوين التاريخ الشفهي عندي أمراً مربكاً، يحتاج إلى إثباتات مكتوبة، أو الاستماع لذات الحكاية من أكثر من مصدر قبل تدوينها بشكل نهائي. أقول ذلك، لأن التاريخ لم يعد عصياً على التزوير، هذا ما أثبته مؤتمر عقد أخيراً في البحرين، عن حكم آل خليفة للزبارة، تبين فيه تزوير التاريخ ومحاولة قطر طمس هوية المنطقة لمصلحة حكامها، وتغييب حالة العداء القديمة والتاريخية، والتي تتجدد كل مرة بحلة جديدة.