مسارات
يقول الإمام شهاب الدين القرافي، أحد أبرز علماء المسلمين في القرن السادس الهجري، في كتابه الشهير (أنوار البروق في أنواء الفُروق)، بعبارة بليغة واضحة لا مزيد عليها؛ وهو يتحدث عن (الفرق بين قاعدة العرف القولي وبين قاعدة العرف الفعلي): "فمهما تجدد من العُرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجلٌ من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تُجْرِهِ على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده وأَجْرِهِ عليه وأَفْتِهِ به دون عُرفِ بلدك والمقرَّرِ في كتُبك، فهذا هو الحقُّ الواضح بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين"..
هذا الكلام من هذا الإمام ينبه صاحب البصيرة من المطالع فيه إلى مسألة (إدراك الواقع) كركن أساسي من أركان الإفتاء، وأن من يسارع إلى كتب الفروع الفقهية المختلفة، لأخذ الأحكام الشرعية منها، يلزمه أن يدرك مدى تأثرها بواقع وعرف معين، وأن يفهم أيضا أن الإفتاء بما هو موجود فيها، في واقع وعرف مختلف عن واقعها: من الضلال المبين، والتضليل المقيت..
كلمة إدراك الواقع، قد تكون فضفاضة واسعة وغير منضبطة؛ لكن إدراك المفتي للواقع بعوالمه المختلفة أمر رئيسي، ويستحيل غض الطرف عن أهميته، وهذا هو الفرق الذي سيلمسه الناس، في (مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي)، الذي تمت تسمية أعضائه مؤخرا، برئاسة فذة من أستاذ الواقع، معالي الشيخ عبدالله بن بيه، وصحبه الكرام، وفقهم الله وأعانهم.
a.fadaaq@alroeya.com