زاوية .. فقط
يعرض علينا الواقع أحياناً مشهداً واضح التفاصيل، بإضاءة واضحة لكل الزوايا المحكية والتي لم تُحكَ بعد، وحضور كامل لجميع الشخصيات المؤثرة في الفكرة التي يقوم عليها المشهد؛ لكننا مع ذلك نختار ألا «نرى». فنقوم بفصل الصوت عن الصورة في المشهد، ونضيف جملاً مختلفة كلياً لكنها تتماشى بشكل أفضل مع ما نرغب في أن نراه نحن من أولئك الأشخاص.نقوم بذلك حينما نكون في حالة صدام منطقي مع الواقع. عندما نجد أن ما نراه أمامنا مختلف في مضمونه كثيراً عما نرغب في أن يكون عليه الواقع. وللهروب من وضوح الحقيقة ندّعي ضعف النظر، وقد تتفاقم بنا الحالة للتظاهر «بالعمى الاختياري» في حال كان الشخص أو الأشخاص محور الحديث يعنون لنا الكثير.ولا نقوم بتلك الخطوة إلا إن كنا قد استثمرنا الكثير في أولئك الأشخاص، ولخسارة الاستثمار المعنوي ثقل يفوق خسارة الاستثمار المادي، لأننا لا نستثمر معنوياً إلا حينما نقتنع بأن ذلك الشخص جدير بأن نمنحه ما نحن قادرون عليه وأكثر.غير أن للواقع حيله التي يعيد عبرها تلك المشاهد المؤثرة التي تجنبنا رؤيتها نوعاً ما في السابق، في أوقات لم نكن مستعدين فيها لما يجري أمام ناظرينا. فلا يعود هناك هذه المرة مجال إلا لأن «نرى». وحينما نرى، نقتنع فعلياً بالفكرة التي أقصيناها سابقاً عن استيعابنا مدة طويلة من الزمن. فيتطابق صوت تفكيرنا مع المشهد المفصلي. ونخسر الرهان على من راهنا عليهم يوماً ما.وفي تلك الحالة يظل علينا احتواء خوفنا من قبول التغيير ـ وربما الألم ـ الذي لم نكن نرغب في مواجهته والتعايش بهدوء معه من الآن وصاعداً. فمهما بلغ اهتمامنا أو إيماننا بشخص ما، تظل الحقائق التي تكشفها لنا المواقف التي تجمعنا بهم أعمق من أن تُمحى بتجاهل صوت تفكيرنا.بالتالي، ماذا إن تأملنا، واقتربنا، وصُدمنا، وتأقلمنا مع خسارة الرهان ومضت الحياة بنا وبتلك الخسارة؟ وهل «العمى الاختياري» مريح فعلاً كما يبدو عليه؟ تقول مايا أنجلو «نكون عُمياناً بالمقدار الذي نرغب في أن نكون عليه فقط».r.algebreen@alroeya.com