لا أعلم كيف عاش الناس في أزمانٍ خَلَت، أعني قبل وسائل التواصل الاجتماعي، التي تدوّن التفاصيل اليومية لحياة من فيها، وتكشف ما كان خفياً.. المؤكد أن بلوى التصنيف ليست حديثةً ولم تولد فجأة.
في عالم سوشيال ميديا يبدو الأمر أكثر افتضاحاً، عالمٌ موازٍ ونقيض، يشيع فيه التصنيف والشللية، وما يليهما بالضرورة من تسفيه وانتقاص، يتنمّر بعض روّاده على بعض، وكما أنّ هناك وجوهاً حميدة لمستخدميه، فإن لبعضهم أمراضاً وعُقَداً لا يُرجى بُرؤها.
أساس التصنيف هو المعاملة التي ستتبعه، الجميع يصنّف الجميع ليحدّد موقفاً، ويبني الأرض التي سينطلق منها في نقاشه، أو شجاره غالباً، إلا من نَدَر ممن يُحاورون الفكرة لا الشخص، ويقيّمون القول لا قائله.
كارثة التصنيف أنه يجرّ خلفه عنف التحريض والكراهية، والقذف لمجرد الاختلاف، برغم أنّ البشر خُلِقوا مختلفين، وَوجدوا في الأرض متعدّدي الألسن والألوان والأفكار، ومع ذلك، فإن كثيرين لا يزالون يصرّون على لونٍ واحدٍ للحياة، يريدون أن يصبغوا به كل حيّ، وأن ينتزعوا الفطرة السوية متعددة الأهواء والمشارب، وإحالتها إلى شكلهم الذي يريدون أن يتبعه العالم أجمع، سواء كان هذا الشكل عَقَدياً، فكرياً، أو غيره مما يُختلف فيه.
لا يبدو التصنيف أمراً يسير التغيير في طبيعة البشر، لكنّ ضبطه بالقوانين هو الحل، وتوعية الجماهير بضرورة استخدام القانون هي الوسيلة المثلى لتطويق هذا المرض وتبعاته، وهو ما أدركته دولة الإمارات مبكراً، فأقرّت تشريعات صارمةً لمكافحة التمييز والكراهية وما يندرج في إطارهما. m.quteineh@alroeya.ae